تقرير خاص: ندوب جديدة تصيب العلاقات #الأمريكية #السعودية.. هل تقاضي #واشنطن #الرياض؟
أقر مجلس الشيوخ الأمريكي مشروع قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" الذي يفتح الباب أمام محاكمة الدول أمام القضاء الأمريكي ويعطي أهالي الضحايا اعتداءات "11 أيلول/سبتمبر" من العام 2001 لرفع دعاوى ضد الحكومة السعودية وضد مسؤولين سعوديين للبحث في إمكانية تورطهم في هذه الهجمات، أي مقاضاتهم وإمكانية تحميلهم المسؤولية عن ذلك والحكم عليهم بدفع تعويضات ضخمة بسبب إنهاء أرواح الضحايا بدون وجه حق وبالشكل المروع الذي حصل في الاعتداءات.
وبحسب مصادر متابعة، في السابق كان هناك محاولات لرفع دعاوى أمام محاكم أمريكية لمقاضاة المسؤولين ولكن القضاء الأمريكي كان يرفض قبولها بحجة ما ينص عليه القانون الدولي العام من "حصانة الدول صاحبة السيادة" وعدم جواز مقاضاتها أمام القضاء المحلي في دولة أخرى، وبحسب القانون الأمريكي يجب في الخطوة التالية أن يوافق مجلس النواب الأمريكي على هذا المشروع، ومن ثم يجب أن يقره الرئيس الأمريكي كي يصبح نافذا وواجب التطبيق، وتقول المصادر إنه "بالنسبة لمجلس النواب وهو في أكثريته من الجمهوريين هناك حظوظ كبيرة للتصويت عليه وإقراره في مجلس النواب رغم أن رئيس المجلس بول ريان يعارض إقرار مشروع القانون".
الرئيس الأمريكي سيمنع إقرار القانون... ولكن؟!
وبحسب القانون الأمريكي، إذا ما تم إقرار المشروع في مجلسي الشيوخ والنواب يمكن للرئيس الأمريكي أن يمنع إقراره عبر وضع فيتو عليه وعدم مصادقته، وقد سبق للبيت الأبيض أن أعلن أكثر من مرة بأن الرئيس باراك أوباما سيمنع إقرار القانون فيما لو أُقر في المجلسين، والبيت الأبيض يعلل موقفه هذا بأن إقرار مشروع القانون سيضر بالعلاقات بين الرياض وواشنطن من جهة، ومن جهة ثانية سيتسبب بتغيير القواعد المعتمدة في القانون الدولي العام وسيكون سابقة في هذا الإطار باعتبار أنه سيقرر محاكمة دولة أمام محكمة وطنية لدولة أخرى.
ولكن إقرار هذا القانون ماذا يعني؟ هل يعني اتهام السعودية والنظام فيها والمسؤولين بالتورط بأحداث 11 أيلول/سبتمبر؟ أم أن الأمر فيه شيء من المبالغة؟ فهل أن يحمل منفذو الاعتداءات جميعهم الجنسية السعودية هو دليل على تورط المملكة السعودية في الاعتداءات؟ وهل ثبوت تورط بعض المسؤولين أو الدبلوماسيين السعوديين بدعم هؤلاء الإرهابيين يعني أن كل المملكة بكل مؤسساتها ونظامها الحاكم سيحكم عليه بالتورط؟ صحيح أن بعض التسريبات الصحافية تتحدث عن تورط سعودي ما مثبت بوثائق رسمية أمريكية، فهل هذا الأمر سيؤدي إلى تحميل المسؤولية إلى المملكة السعودية؟
وقد يتصور البعض أن الأمر لن يصل إلى حد الاتهام وإنما فقط هو للطرح السياسي والإعلامي أو للتداول القانوني والحقوقي ليس أكثر ولن يؤدي إلى نتائج ملموسة على صعيد المحاسبة والمساءلة، ولكن ما الهدف من ذلك؟ هل الهدف هو فتح قنوات للضغط على النظام السعودي لتحصيل بعض المكاسب في السياسة أو في غيرها؟ ومن المستفيد ومن المتضرر من كل ذلك؟ وكيف سينعكس كل ذلك على العلاقات السعودية الأمريكية؟
فتور بين واشنطن والرياض..والعلاقة على المحك
الحقيقية أن العلاقة الأمريكية السعودية قد تكون ضحية جديدة لإحداث "11 أيلول/سبتمبر"، خاصة أنها ليست في أحسن أحوالها، فعديدة هي الملفات الخلافية أو التي تؤدي إلى فتور في العلاقة بين الرياض وواشنطن، سواء من الملف النووي الإيراني إلى غيرها من الملفات الداخلية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات وإعدام المعارضين، كل ذلك دفع بعض المسؤولين السعوديين إلى التهديد ببيع أصول سعودية في أمريكا، وقد حاول هؤلاء توجيه رسائل لواشنطن، مفادها أن المملكة قادرة على الضغط والتهديد وتملك العديد من الأوراق في هذا المجال وأن الأمر ليس حكرا فقط على الإدارة الأمريكية، لكن مع الإشارة هنا أن سلاح النفط وبيع الأصول السعودية في الولايات المتحدة قد تشوبه الكثير من الصعوبات قبل حصوله، لأن هذه الأموال موجودة أصلا في الولايات المتحدة وهي تحت سيطرتها وليس بهذه السهولة ستسمح واشنطن بحصول عمليات تضر بمصالحها المالية والاقتصادية.
ولكن قد يطرح سؤال هل من مصلحة واشنطن فتح باب مقاضاة دولة أجنبية أو مسؤولين أجانب على أراضيها وأمام محاكمها؟ بالتأكيد أن الحديث عن مقاضاة الحكومة أو النظام السعودي أمام محكمة أمريكية لن يفيد الإدارة الأمريكية نفسها، باعتبار أن ذلك سيفتح عليها أبواب هي بالغنى عنها، فالأمريكيين ليسوا بأفضل حال في هذا المجال وإنما سيجدون محاكم كثيرة معنية بمقاضاة جنودهم وقياداتهم العسكرية والأمنية والسياسية عن كثير من الملفات، كما أن ذلك سيفتح الباب أمام مقاضاة حلفاء الولايات المتحدة من الإسرائيليين عن جرائمهم بحق الشعوب العربية والإسلامية وفي مقدمتهم الشعب الفلسطيني المظلوم عن كل ما تسببت به "إسرائيل" لهم على مدى عقود، وهذا ما لم تقبل به واشنطن في الماضي ولن تقبل به بالتأكيد في المستقبل.
إلا أن كل ذلك لا يعني عدم وجود آثار سياسية لملف "11 أيلول/سبتمبر" على العلاقة بين واشنطن والرياض، إلا أن هناك من قد يسأل أليس في ظل هذه الحسابات السياسية المعقدة سيظلم أهالي الضحايا، باعتبار أن المتورطين المفترضين يمكن الوصول إليهم وربما هم معروفون لدى الإدارات الأمريكية المعنية والمختصة ومع ذلك سيتم لفلفة الموضوع باعتباره يضر بالسياسات الأمريكية الإستراتيجية أو الأمن القومي الأمريكي، أليس من حق أهالي الضحايا على الإدارة الأمريكية محاكمة المتورطين بقتل أبنائهم بدل التحالف معهم وحمايتهم وتقديم الضمانات لهم؟
أحداث 11 أيلول.. بين السياسة والمحاسبة
وبالمقابل، هل يجوز تحميل المملكة السعودية وموازنتها المبالغ المالية الطائلة كتعويضات نتيجة أفعال وتصرفات وأهواء بعض الأشخاص وإن كانوا في موقع المسؤولية ولكنهم تصرفوا بشكل فردي وبدون العودة إلى السلطات المعنية التي لا تتحمل سوى مسؤولية قراراتها؟ أليس في ذلك "ظلم" أيضا للسعوديين لأن الأموال التي ستدفع هي من موازنة شعب المملكة وناسها لا من حسابات من تورط ودعم الإرهابيين؟ والسؤال الأهم لماذا لا يتم محاكمة من تورط بصورة فردية ومعاقبته جزائيا عن ذلك وتحميله ماديا وحده التعويضات لأهالي الضحايا(بالحجز على كافة أمواله ضمانا لحقوق أهالي الضحايا)؟ وأكثر من ذلك لماذا لا تسعى الإدارة الأمريكية إلى طرق أبواب المحاكم الدولية لتحصيل حقوق أهالي الضحايا؟ أم أن الأمر هو محاولة لجعل القضاء الأمريكية وسيلة للضغط على جهات معينة في المستقبل بعد تكريس الحالة المطروحة حاليا؟
لكن يجب على المملكة السعودية أن تتنبه أن الرئيس الحالي باراك أوباما يعارض تمرير القانون لو أقرّ في مجلسي الشيوخ والنواب، ولكن من يضمن حصول ذلك في المستقبل لو جاء رئيس جديد تختلف مواقفه عن مواقف أوباما؟ وماذا لو وصل رئيس يريد محاسبة المملكة ويريد السير إلى النهاية في هذا الملف؟ خاصة أن هناك من هو مرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية ويسعى للوصول إلى البيت الأبيض ومواقفه تظهر انتقادات حادة للرياض، والمقصود هنا هو دونالد ترامب الذي لا يفوت فرصة إلا ويهاجم السلطات في المملكة ويوجه التهديدات لها، وربما هذا الأمر هو ما دفع بالبعض إلى القول إن الرياض تدعم وصول هيلاري كلينتون التي تعتبر أقرب إلى السعودية من ترامب.
بالتأكيد أن السير في المجال القضائي المحلي أو الدولي في هكذا ملفات دونه صعوبات وعوائق كثيرة قد تمنع الوصول إلى نتائج واضحة وبينة فيها وقد تعيق تحصيل أهالي الضحايا لحقوقهم، إلا أن الأكيد أن مخارج سياسية قد تفتح في هذا الملف سواء من الجانب السعودي أو الأمريكي أو حتى من طرف ثالث صديق للطرفين سيعمل على "إخفاء الندوب" التي أصابت العلاقة بين الحليفين التاريخين، ندوب مهما جهد البعض لتمويهيها إلا أنها واضحة للعيان ولن يسهل "تعمية" الرأي العام الأمريكي والدولي عن الصورة التي باتت تظهر بها المملكة السعودية اليوم في أعينهم لا سيما في ظل الملفات المتراكمة والتي تتمحور كلها حول انتهاكات حقوق الإنسان في الداخل وهي كثيرة أو حول ارتكاب جرائم حرب وضد الإنسانية وجرائم إبادة في الحرب السعودية على اليمن ناهيك عن الاتهامات بدعم الإرهاب في سوريا والعراق.
أضيف بتاريخ :2016/05/22