التقارير

#تقرير_خاص: من مراكش إلى العُلا: هل تمهّد الرباط الطريق لتطبيعٍ سعوديّ مع إسرائيل؟

عبدالله القصاب

في مشهدٍ غارقٍ في الرمزيّة، هبطت طائرة وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان في مدينة مراكش المغربية مطلع أكتوبر الجاري، بصحبة رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري، من دون إعلانٍ رسمي من الديوان الملكي السعودي أو تعليقٍ من الرباط. زيارةٌ خاطفةٌ لكنّها ثقيلة بالرسائل، أعادت إلى الأذهان اللقاء الذي جمع ابن سلمان والحريري بالعاهل المغربي محمد السادس في باريس عام 2018.

تزامن الوجود السعودي رفيع المستوى في المغرب مع انعقاد جلسةٍ في مدينة العُلا السعودية تحت عنوان “مسارات السلام بين فلسطين وإسرائيل”، ضمن فعاليات مؤتمر ميونيخ للأمن، وبمشاركة وزيرَي الخارجية السعودي والفرنسي، لم يكن تفصيلاً عابراً. فالتوازي الزمني بين الحدثين أثار تساؤلات حول طبيعة الرسائل التي تُبعث من الرياض والرباط في آنٍ معاً.

التقارير الإعلامية المغربية لم تُخفِ تلميحاتها إلى أنّ هذا التزامن ليس صدفة، بل يندرج ضمن سياقٍ دبلوماسيّ متدرّج يسعى إلى تحضير الأرضيّة لخطواتٍ سعودية أكثر انفتاحاً تجاه تل أبيب. وهو مسارٌ يبدو أنّ الرباط قد تُسهم فيه بفعالية، باعتبارها أولى الدول المغاربية التي التحقت رسميّاً باتفاقيات “أبراهام” عام 2020.

منذ ذلك التاريخ، قدّمت المغرب نموذجاً في “التطبيع المُغلف بالمصالح”، حيث ربطت علاقاتها مع إسرائيل باعتراف أميركي بسيادتها على الصحراء الغربية. نموذجٌ براغماتيٌّ قد يغري السعودية بالسير على نهجٍ مشابه، إذ تبحث هي الأخرى عن مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية تُبرّر التحوّل الكبير في خطابها تجاه الملف الإسرائيلي.

وتدرك الرياض أنّ أيّ خطوة في هذا الاتجاه تحتاج إلى “غطاءٍ عربيٍّ مألوف”، والمغرب تُعدّ من الدول التي تستطيع لعب هذا الدور بمرونةٍ ودون صدامٍ علنيّ مع الرأي العام، الذي تمكّنت السلطة هناك من احتوائه عبر خطاب “المصلحة الوطنية”.

من جهة أخرى، يُدرك محمد بن سلمان أنّ الطريق إلى التطبيع لا يُمهَّد بالتصريحات فقط، بل عبر “الدبلوماسية الصامتة”، والزيارات غير المعلنة التي تتيح بناء تفاهمات بعيدة عن الضجيج. وهنا قد تكون مراكش محطةً مناسبة لعقد لقاءات أو ترتيب تفاهمات تمهّد لتغييرٍ أكبر في الموقف السعودي.

لكنّ هذه المقاربة تطرح تساؤلاً عميقاً حول حدود الواقعية السياسية في العلاقات العربية–الإسرائيلية: هل بات “التطبيع مقابل المصلحة” هو المعيار الجديد في العلاقات الإقليمية؟ وهل يمكن تبرير الانفتاح على تل أبيب بذريعة الإصلاح أو التنمية أو التوازن مع إيران؟

الجواب ليس بسيطاً، لكنه يُظهر أنّ المنطقة تتّجه نحو مرحلةٍ جديدة تُرسم فيها التحالفات بمعايير الاقتصاد والمصالح لا العواطف والقضايا التاريخية. فالمغرب التي كانت بوابة التطبيع العربي الجديدة، قد تتحوّل اليوم إلى جسرٍ سعوديٍّ نحو اتفاقٍ مشابه.

وفي النهاية، سواء أُعلن عن ذلك قريباً أم لا، فإنّ المشهد الإقليمي يُنذر بتحوّلٍ استراتيجيٍّ يتجاوز اللقاءات الرمزية. فزيارة ابن سلمان إلى مراكش قد تكون بداية فصلٍ جديد في “مسارات السلام” التي تُرسم بخطوطٍ دقيقة بين الرياض وتل أبيب، مروراً بالرباط.

أضيف بتاريخ :2025/10/09

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد