التقارير

#تقرير_خاص: السعودية وتوسيع نطاق النفوذ الرقمي: بين الاستثمار والمراقبة القمعية

علي الزنادي

تشهد السعودية حاليًا تحوّلًا جذريًا في استراتيجيتها الرقمية، حيث تتجه نحو توسيع نفوذها ليس فقط عبر الاستثمار في المنصات العالمية، وإنما من خلال ممارسة أدوات السيطرة والقمع ضمن منظومتها الداخلية. فارتفاع استثماراتها في منصة إكس، التي يملكها الملياردير الأميركي إيلون ماسك، يعكس رغبة الرياض في السيطرة على أدوات التواصل والتأثير، الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول نواياها المستقبلية ومدى تأثير ذلك على الحريات الشخصية وحقوق الإنسان.

تُظهر التقارير أن صندوق الاستثمارات العامة وشركة “المملكة القابضة” المملوكة للوليد بن طلال يتمتعان بحصص كبيرة في المنصة، مما يمنح الرياض نفوذًا مباشرًا على المحتوى والإجراءات داخل المنصة. هذا النفوذ، الذي يُعد من الناحية الرسمية استثمارًا، يُستخدم فعليًا لملاحقة المعارضين والنشطاء، ما يعزز صورة السعودية كمملكة تعتمد أساليب بوليسية في إدارة الشؤون الرقمية. شهادات الناشطين والصحفيين السعوديين تؤكد أن هذه المنصة أصبحت سلاحًا في يد السلطة لملاحقتهم واستهدافهم، الأمر الذي يكشف الوجه القمعي لاستخدام التكنولوجيا في خدمة الأجندة السياسية للنظام.

مدير “معهد شؤون الخليج” علي الأحمد أشار بوضوح إلى أن المنصة أصبحت أداة للمراقبة والسيطرة، إذ تعرض أفراد من عائلته للسجن بعد انتقادهم السلطات، وهو ما يعكس كيف أن الرقابة الرقمية تجاوزت حدود الحيز الافتراضي ولم تعد مجرد أداة للتواصل، بل أداة قمعية صارخة. أما الناشط الحقوقي أحمد بن راشد، ففضح استهداف حساباته الإلكترونية، حيث تعرض للاختراق ويُتهم بعد ذلك باعتقال أفراد من عائلته. هذان المثالان يسلطان الضوء على حجم العمل الرقابي والانتهاكات التي تتعرض لها الأصوات المعارضة داخل المملكة.

الأمر لا يقتصر على الأفراد فقط، فهناك شهادات تؤكد أن حسابات نشطاء آخرين تعرضت للاختراق، مما أدى إلى اعتقالهم، وهو مؤشر على أن الرياض تتعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي كأدوات للتحكم والتصفية السياسية. في هذا السياق، يرى نادر هاشمي، أستاذ سياسات الشرق الأوسط في جامعة جورج تاون، أن السعودية تتجه نحو تشكيل دولة بوليسية تحكمها رقابة مطلقة، تستخدم التكنولوجيا لفرض قمع مستمر على مواطنيها ومعارضيها على حد سواء.

لكن الأهم من ذلك هو أن النفوذ الرقمي السعودي لا يقتصر على المنصات فقط، بل يمتد إلى استثمارات ضخمة في وادي السيليكون، حيث تضخ مئات الملايين من الدولارات في شركات أميركية كبرى مثل أندريسن هورويتز وأوبر وبلاكستون. كل هذا بهدف توسيع حضورها الاقتصادي وإيجاد بيئة مواتية للتحكم في أدوات التكنولوجيا والابتكار، ما يثير تساؤلاً حول مدى استقلالية هذه الشركات ومدى تأثير النفوذ السعودي عليها.

وفي الوقت الذي تتضح فيه ملامح القمع والرقابة، يظل العالم، كما هو معتاد، صامتًا إزاء هذه الانتهاكات، متجاهلاً أن الأموال الكبيرة قد تعمل على إخفاء الحقائق، وتشجيع استمرار القمع والدكتاتورية الرقمية. فالصمت الدولي يعزز من شرعية هذه السياسات، ويشجع على استمرارها، مما يطرح علامات استفهام حول مدى التزام المجتمع الدولي بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الرقمية.

أضيف بتاريخ :2025/10/13

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد