#تقرير_خاص: صفقة إف-35 سؤال السياسة والخيارات في المنطقة الملتهبة
عبدالله القصاب
تاريخياً، تعتبر صفقات السلاح رمزاً للنفوذ والتأثير السياسي، وغالباً ما تعكس موازين القوى والتحالفات الإقليمية والدولية. وفي ظل التوترات الجيوسياسية المستمرة في الشرق الأوسط، تأتي أنباء بيع الولايات المتحدة مقاتلات إف-35 إلى السعودية كحدث يثير العديد من التساؤلات حول مصلحة واشنطن وتحالفاتها الاستراتيجية.
رغم تحفظات الاحتلال الإسرائيلي، أعلنت إدارة ترامب عن قرارها ببيع الطائرات المقاتلة إلى الرياض، وهو قرار يفتتح صفحة جديدة في العلاقات بين واشنطن والسعودية. من جانبها، أبدت تل أبيب موافقتها المبدئية على الصفقة، بشرط ارتباطها بالتزام السعودية الكامل بالتطبيع مع إسرائيل. وهو شرط يعكس مدى قلق إسرائيل من تزايد نفوذ السعودية الجغرافي والتقني، خاصة أن المسافة بين الطائرات السعودية وإسرائيل ليست سوى دقائق من الطيران.
ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن بيع الطائرات دون مكاسب سياسية في المنطقة قد يكون خطأً فادحاً، إذ أن إقامة توازن القوى يتطلب أكثر من مجرد معدات متطورة، بل يجب أن تُترجم إلى مواقف سياسية واضحة داعمة للتطبيع واستقرار المنطقة. وهو ما يدفع إسرائيل للاحتجاج على الصفقة إذا لم تكن هناك مصالحة سياسية واضحة، خشية أن تغير توازن القوى في المنطقة بشكل يعزز نفوذ خصومها.
وتأتي هذه التطورات بعد أن زودت الولايات المتحدة الإمارات بطائرات إف-35 ضمن اتفاقات أبراهام عام 2020، إلا أن قضايا إدارية وقيود إدارة بايدن منعت تنفيذ تلك الصفقة بشكل كامل، في إشارة إلى أن قرار بيع السعودية هو منطق تكرار وتوسعة للسياسة الأميركية في المنطقة، رغم التحديات الحقوقية والسياسية المطروحة.
ومع سعي السعودية لامتلاك أحدث التقنيات العسكرية، يبدو أن الرياض تقف عند مفترق الطرق، تبحث عن تعزيز قدراتها العسكرية وتأكيد مكانتها الإقليمية، فيما واشنطن تواصل دعم نظام الأمير محمد بن سلمان، رغم الانتقادات التي تطاله بسبب سجل حقوق الإنسان الملطخ بانتهاكات القمع والاعتقالات.
إن صفقة إف-35 لا تقتصر على مجرد تسليح جوي، بل تلامس اعتبارات سياسية وعملانية تتعلق بموازين القوى في الشرق الأوسط، خاصة مع التقارب السعودي-الإسرائيلي المحتمل، الذي يظل مدفوناً تحت رغبة الرياض في تحسين صورتها الإقليمية والدولية. وهنا يبرز سؤال مهم: هل تمثل هذه الصفقة تأخيراً لعملية التطبيع، أم خطوة تجاه إعادة ترتيب التحالفات في المنطقة بشكل يلبي مصالح جميع الأطراف؟
وفي النهاية، تظل السياسة الخارجية الأميركية حائرة بين موازين المصالح، وضرورة الحفاظ على توازن هش في منطقة مليئة بالتوترات. فبيع إف-35 للسعودية يعكس استمرار الدعم الأميركي للمملكة، رغم الأزمات الحقوقية، وهو مؤشر على أن الخيارات العسكرية والسياسية تتداخل في لعبة تُركز على مآرب الجيوسياسة أكثر من أي اعتبار أخلاقي أو إنساني.
ختاماً، فإن مستقبل هذه الصفقة واستجابة الأطراف المعنية ستكشف مدى استجابة واشنطن لضغوط إسرائيلي وإقليمي، ووجهة الدول العربية والإقليمية حيال نوعية العلاقات والتحالفات الجديدة التي قد تتبلور في المنطقة. ويبقى السؤال الأهم: كيف ستؤثر هذه الخطوة على استقرار الشرق الأوسط، ومدى التفاعل معها من قبل الجهات والمنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان والأمن الإقليمي؟
أضيف بتاريخ :2025/11/19










