إرهاب اليوم الأخير
علي الشريمي ..
لا بد من مراجعة الكثير من المفاهيم الدينية وتنقيتها من الشوائب التي تتعارض مع قيم حقوق الإنسان، ومن هذه الشوائب الغلو الديني
العنوان بعاليه هو اقتباس لعنوان مثير نشرته صحيفة "الوطن" ما قبل البارحة على صدر صفحتها الأولى تحت عنوان "يأس اليوم الأخير"، إذ شهد اليوم الأخير من شهر رمضان وفق المقاييس الفلكية الداعشية عددا من الأحداث الإرهابية الفاشلة في جدة والقطيف والمدينة المنورة.
الأحداث الإرهابية لم تلبث ساعات معدودة إلا وانتشرت بسرعة البرق في مواقع التواصل الاجتماعي، إذ تصدر وسم عنوانه: "# داعش _تنتهك_مسجد_الرسول_وقبره" موقع "تويتر" بعد التفجير الانتحاري الذي وقع في موقف للسيارات قرب المسجد النبوي في المدينة المنورة، وأسفر عن مقتل أربعة من رجال الأمن وإصابة خمسة آخرين.
قد يسأل أحدهم لماذا تحملون داعش المسؤولية؟ الجواب: لأنه لا يوجد تنظيم أكثر قذارة وقبحا على مر التاريخ البشري كله من تنظيم داعش الإرهابي، هذا التنظيم تفنن في ممارسة جرائم ضد الإنسانية، لا سابق ولا مثيل لها على مر التاريخ، حتى النازيين أصحاب المحرقة والإبادة الجماعية لم يصلوا في وحشيتهم إلى ما وصل إليه داعش، النازيون ارتكبوا أمورا رهيبة، لكن كان لديهم الوعي الكاف لما هو مشين ليحاولوا إخفاءه، أما عناصر داعش فهم يتصرفون كمتوحشي القرون الوسطى ويعرضون ذلك على العالم بوقاحة وبشاعة يصعب وصفها بهدف زرع الخوف والترهيب، نعم إجرام داعش فاق كل إجرام، انتهكوا كل المقدسات الدينية وداسوا كل القيم الإنسانية، وارتكبوا كل المحرمات الأخلاقية.
لقد صدم العالم مؤخرا بفعلة داعش في أطهر البقاع المقدسة، فهم لم يراعوا حرمة الزمان ولا قداسة المكان، وأقدموا على عمل إرهابي جبان بجوار الحرم النبوي، وهذه ليست المرة الأولى في سلسلة ترويع داعش للناس بأفعالها البشعة، فالتنظيم مبني على التوحش فكرا وسلوكا، لا يقيم أي وزن لأي قيمة إنسانية أو دينية، بالمطلق، تنظيم قائم على التفنن في صناعة التوحش وإراقة الدماء. يقول المحلل السياسي بمنظمة راند الأميركية "وليام ينج" في إحدى مقالاته التي نشرت في مجلة نيوزويك بعنوان: "داعش تهدف إلى احتلال مكة والمدينة" يقول: "إن الزعيم البغدادي يدعو إلى زيادة الهجمات على السعودية، لإدراكه أنه لا يمكن تأسيس دولة إسلامية دون السيطرة على الأماكن المقدسة (مكة والمدينة)". ثم يضيف وليام: "هزيمة داعش لا تأتي إلا بإضعاف صورتهم وتقوية صورة العالم الإسلامي الحقيقي"، ولكن السؤال: كيف يكون ذلك؟ في نظري أن تصحيح المفاهيم الدينية عامل رئيس ومهم، فكل هؤلاء الذين اندفعوا والتحقوا بهذه الجماعات المتطرفة إنما فعلوا ذلك عن قناعة كاملة بأنهم إنما يقتلون ويفجرون ويضحون بأنفسهم من أجل أهداف عليا، تعلو كل الاعتبارات إنهم يمارسون الجهاد للفوز بالشهادة الموصلة إلى الجنة، يلتحقون بهذه التنظيمات المنحرفة، لأنهم يريدون العيش في ظل دولة الخلافة.
من الأهمية بمكان مراجعة الكثير من المفاهيم الدينية وتنقيتها من الشوائب التي تتعارض مع قيم حقوق الإنسان، ومن هذه الشوائب الغلو الديني الذي يتمثل في تحريف المفاهيم، وإفراغ الأحكام الشرعية من مضامينها، والابتعاد عن مقاصد الدين وأهدافه.
ومن الشوائب أيضا كراهية المختلف في الدين والمذهب ومراجعة مفهوم الجهاد، والنظر إليه بطريقة متجددة، وأنه الجهاد ضد التخلف والجهل، ولا يكون الجهاد الحربي إلا إذا حصل عدوان على الدولة والشعب.
أخيرا أقول: نرفع أحر التعازي والمواساة إلى أسر وذوي الشهداء، سائلا الله تعالى أن يتغمدهم برحمته وغفرانه، وأن يمنّ على المصابين بالشفاء العاجل.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/07/07