الحلول التجريبية.. لن تؤمن سكنا ولن توظف عاطلا!
محمد العوفي ..
لدي حساسية شديدة تجاه سياسة الحلول التجريبية التي تمارسها وزارتا العمل والإسكان في قضيتي البطالة والإسكان، هذه الحساسية ورثتها من دراسة السلوك التنظيمي الذي يسعى لتقديم إطار لكيفية تفسير وتحليل السلوك الإنساني في المنظمات بغرض التنبؤ به مستقبلا، والسيطرة عليه أو التحكم به، ومن خلاله يمكن رصد ومتابعة سلوك واستجابات مسؤولي وزارتي العمل والإسكان حيال أزمتي البطالة والإسكان، ومن ثم يمكن التنبؤ بما يمكن أن يحدث مستقبلا.
الرصد السلوكي يؤكد أن استجابة هاتين الوزارتين بطيئة جدا، وأن ما تقدمانه من حلول منفصل عن الواقع بشكل كبير، مما يجعل التنبؤ بمزيد من التعقيد في هاتين القضيتين هو الراجح مستقبلا، ما لم يكن هناك تدخل مباشر لمنع الاستمرار في تجربة الحلول غير مضمونة النتائج، وتغيير في ممارساتهما في إدارة ملفي البطالة والإسكان.
والسبب بكل ببساطة أنه في القضايا المصيرية مثل قضيتي الإسكان والبطالة لا مجال للحلول التجريبية، لأنها ببساطة ستضر أكثر من أن تنفع، وستطيل أمد المعالجة، علاوة على أن الحلول التجريبية قد ينتج عنها مشاكل أخرى، وهي الأخرى يولد من رحمها مشاكل ثانوية أخرى، وبذلك تكبر وتستفحل وتتعقد المشاكل، مما قد يزيد الحال سوءا وتعقيدا.
الممارسات الإدارية هي انعكاس للسلوك التنظيمي، الذي هو نتاج تفاعل بين الأفراد في تلك المنظمات، بما فيها تفاعل الموظفين مع القيادة والمجتمع المحيط بها، لأن المنظمات جزء من المجتمع؛ وبالتالي لا يمكن فصلها عن البيئة المحيطة بها، وسلوك وزارتي العمل والإسكان التنظيمي يوحي أن الطريق أمامهما طويل، وأن الآمال ضعيفة، والمواطن لن يحكم على نوايا هاتين الوزارتين، لكنه سيحاكمهما ويحكم عليهما من خلال ما ستقدمانه من حلول، وما عداه من تصريحات لن يكون ذا قيمة، فلو حوكم المسؤولون على ما يبدونه من تصريحات وما يطلقونه من وعود، لوجدنا اختلافا كثيرا، ولأدين كثير من المسؤولين، لكننا ولله الحمد لا نحاكم المسؤولين على وعودهم.
فوزارة الإسكان رغم مضي ما يقارب العام على تعيين وزيرها الجديد، لا يوجد أثر واضح على الأرض لهذه الحلول، والوزارة لا تزال في طور الحلول التجريبية، والمبادرات التي تقدمها بصيغتها الحالية لن تؤمن سكنا، وينقصها كثير من الواقعية، فالحلول التي تقدمها تنذر بمزيد من الديون والقروض التي ستثقل كاهل المواطن البسيط، ولن تجد إقبالا كبيرا إلا من شريحة صغيرة جدا من طالبي السكن، رغم أن هذه الحلول موجهة لتحقيق أهداف الشريحة العظمى من محتاجي السكن.
ووزارة العمل، هي الأخرى، ليست بأحسن حالا منها، فهي لا تزال في طور تجارب حلول البطالة منذ عشرات السنين، وكل مطلع شهر أو نصف سنة تجرب وتطبق برنامجا جديدا على شاكلة نطاقات، وحافز...، والنتيجة واحدة، ومع ذلك لم تقتنع الوزارة بعدم جدوى تلك البرامج حتى الآن، واتجهت في نهاية المطاف إلى تطبيق السعودة على المؤسسات الصغيرة جدا التي يبلغ عدد موظفيها ما بين 6-9 موظفين.
مشكلة وزارة الإسكان وأختها العمل أنهما وجدتا نفسيهما محاصرتين بالنسق الاجتماعي السعودي، ولديهما مشكلة في التواصل والاستماع مع الأطراف المستفيدة من برامجها، وغياب التغذية الراجعة أحد دلائلها الانغماس في الحلول التجريبية لمشكلات تناسبها القيادة الظرفية.
أعتقد أن الحلول التجريبية التي تقدمها الوزارتان كحلول سحرية لقضايا مصيرية كالبطالة والإسكان يختلط فيها النسق الاجتماعي مع التحديات الاقتصادية والمالية ستحرج الوزارتين مستقبلا، وستكتشفان أنهما لم تكونا لتستمرا في هذه الحلول لو استفادتا من التغذية الراجعة لهما من المستفيدين، وستعودان لنقطة البدء من جديد لتجربة حلول جديدة.. وهكذا.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/15