الكويت.. قانون “معاقبة المسئ” يشعل معركة إنتخابية وسجن أبناء الأسرة الحاكمة تطور غير مسبوق
ناصر العبدلي ..
حدثان هامان ألقيا بظلالهما على المشهد السياسي في الكويت خلال الأسبوعين الماضيين الأول هو تداعيات تصديق البرلمان على قانون ( معاقبة المسئ ) الذي يمنع كل من خالف المادتين ( 54 ، 55) من الدستور المشاركة في الإنتخابات البرلمانية ، فيما يتعلق الآخر بتنفيذ حكم قضائي بسجن ثلاثة من أفراد الأسرة الحاكمة على خلفية إتهامات بالتطاول على رموز سياسية وقضائية .
والمادتين ( 54 ، 55 ) تحولان دون تولي أمير دولة الكويت أية مسؤوليات سياسية بشكل مباشر حسب الدستور بل بشكل غير مباشر من خلال رئيس الوزراء والوزراء ، مما يحمل أولئك المسؤولية السياسية كاملة ، الأمر الذي يعني إبعاد منصب الأمير عن أجواء المماحكات والتجاذبات السياسية التي تتطلبها اللعبة البرلمانية ، وحصر نقد أداء الحكومة في رئيسها وأعضاءها .
كتوطئة من أجل فهم مايجري داخل الكويت هناك تحالف قديم شكل مرجعية سياسية رغم إقرار دستور ينظم عمل السلطات عام 1962 يتمثل في تقاسم السلطة بين الأسرة الحاكمة في الكويت والأسرة الإقتصادية وهي جسم إقتصادي يمثل مجموعة من التجار المؤسسين لدولة الكويت سمي في ذلك الوقت ” حلف العتوب ” ويقضى بأن تتسلم أسرة الصباح الحكم فيما تترك التجارة لمجموعة من العوائل المؤسسة للكويت .
الحدث الأول أثار ردود أفعال عند بعض المشتغلين في العمل العام لكن أكثرهم ضيقا رجل الأعمال والنائب السابق محمد الصقر ، وقد عبر عن ذلك الضيق بشن حملة إعلامية ضد القانون من خلال وسائل الإعلام التابعة له ، طالت أكثر من طرف أبرزهم رئيس مجلس الأمة الحالي مرزوق الغانم ، رغم عدم وجود مايربط بينه وبين إقتراح أو تمرير القانون فقد تقدم به مجموعة من النواب واقر بالإجماع ( نيابيا وحكوميا ) في جلسة مجلس الأمة .
المفارقة أن بعض النواب المحسوبين على النائب السابق الصقر في البرلمان غابوا عن جلسة النظر في القانون ، ربما بسبب الإحراج من أن يساء فهم رفضهم للتعديلات على قانون الإنتخاب أو لأسباب أخرى إذ لم يصدر عنهم حتى اليوم أية بيانات توضح أسباب ذلك الموقف .
يبدو أن تلك الحملة الإعلامية شكلت إحراجا كبيرا للحكومة ، خاصة وأن رئيسها الشيخ جابر مبارك الحمد مقرب جدا للنائب السابق الصقر ، فقد ظهر كأن هدف الحملة الإعلامية تجاه التعديلات الضغط على سمو الأمير وإجباره على رد القانون ، وهو أمر لم يسبق أن تبناه أحد من المحسوبين على الطبقة التجارية في البلاد من قبل .
يعتقد بعض المقربين من النائب السابق الصقر أن التعديلات على القانون موجهه بالدرجة الأولى له والهدف عرقلة مشروع ترشحه لمنصب رئيس مجلس الأمة في إشارة إلى أدانته قبل سنوات ( عندما كان رئيس تحرير جريدة القبس ) بالتطاول على الذات الآلهية ، غير أن من الصعب إبتلاع مثل هذا الإعتقاد .
كما أن أكثر من خبير دستوري ذهب في الاتجاه الذي يرى أن إدانة الصقر في ذلك الحكم القضائي يتعلق بصفته وليس بشخصه مما يفسح له المجال للترشح للإنتخابات البرلمانية المقبلة ، وبالتبعية الترشح لمنصب الرئيس ، بالإضافة إلى أن الرئيس الغانم عبر عن هذا الإتجاه في تصريح له في إحدى جلسات مجلس الأمة ، وإذا لم تكن الآراء كافية يمكن للصقر أن يلجأ للمحكمة الدستورية لتفسير التعديلات الجديدة على قانون الإنتخاب .
هناك من يردد خارج مجموعة الصقر أن القانون ليس موجها لشخص الصقر إنما للتحالفات التي نسجها خلال الفترة الماضية مع فلول مايسمى ” الأغلبية البرلمانية ” وهي مجموعة من التكتلات القبلية والدينية وشخصيات محسوبة على بعض أجنحة الأسرة الحاكمة ( الفهد ــ الخليفة ) لدى أغلبهم خصومة مع رئيس مجلس الأمة الحالي الغانم ، ووعدوا بدعم الصقر لمنصب الرئيس ليس حبا به بل كرها في الغانم .
البعض يرى أن الصقر أرتكب أخطاء سياسية سيؤثر كثيرا على مشروعه السياسي أبرزها أنه كشف بشكل مبكرا عن التحالفات التي نسجها خلف الكواليس طوال الفترة الماضية للإستفادة منها ، رغم أن تلك التحالفات تتكون من شخصيات ” متورطة ” في قضايا بالتطاول على سمو أمير البلاد تنظر أمام المحاكم ، كما أن هناك سببا آخر يضاف إلى جملة الأسباب القاتلة يتمثل في ” شخصنة ” التنافس مع الغانم أضعف موقف الصقر كثيرا على الساحة .
الحدث الثاني هو تنفيذ حكم قضائي على الشيخ عذبي فهد الأحمد نجل الأخ غير الشقيق لأمير الكويت الحالي ، وأثنين من أفراد الأسرة الحاكمة ، الأمر الذي شكل سابقة تاريخية ، حيث لم يسبق طوال تاريخ البلاد أن تعرض أي من أفراد الأسرة الحاكمة لمثل تلك الأوضاع ، فقد أتهموا بالمشاركة في حوارات من خلال مايسمى ” قروب الفنطاس ” اعتبرت تطاول على رموز سياسية وقضائية ، وحكم عليه ومجموعة من الناشطين السياسيين بالسجن مدد تتراوح بين خمس وعشرة أعوام .
التطورات خلال السنوات الخمس الماضية تسجل تحسنا لكنه بطئ على صعيد ترسيخ القانون ، فقد أعاد أمير الكويت في كل خطاباته عبارات تؤكد على أن ” لا أحد فوق القانون ” وهي رسالة فهمت على أنها موجهة لبعض أفراد الأسرة الحاكمة ممن سجل عليهم تجاوزات تجاه مؤسسات الدولة أو تجاه المواطنين ، كما شكل التخلي عن بعض مؤسسات القطاع العام الضخم للقطاع الخاص تطورا آخر يدعم التجربة الديمقراطية فيما لو استمرت الحكومة في التخلص من كل تلك المؤسسات الحكومية .
كاتب كويتي
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/07/20