من يتابع القمة العربية في نواكشوط؟
قاسم حسين ..
قبل كل قمة عربية، كانت الصحف ووسائل الإعلام تهتم بإيراد تقارير عنها قبل وأثناء وبعد عقدها، إلا القمة الأخيرة في موريتانيا.
هذه القمة الـ27، اعتذر عنها المغرب بصورة مفاجئة؛ لـ«عدم وجود قرارات أو مبادرات مفيدة»، فاستضافتها موريتانيا للمرة الأولى في تاريخها، وأعدت لها عدتها بحسب إمكانياتها، لاستقبال الضيوف. قائمة الحضور اتضحت عشية عقدها، ما يرسم ملامح عامة للوضع العربي الذي يزداد تدهوراً وتأزماً وانهياراً.
القمم العربية كثيراً ما كانت حلبات مصارعة، ونادراً ما كانت تنجح في رأب الصدع أو حل الخلافات بينها. وفي السنوات الأخيرة أصبحت عاجزةً عن تقديم أي حلولٍ للمشاكل التي تغرق فيها المنطقة، إن لم تتحوّل إلى أداةٍ تستخدم بحسب الإمكان. وهو ما أدى إلى فقدان الشعوب العربية الاهتمام بهذه المؤسسة الرسمية، فلم تعد تتابعها أو تترقب عقدها من عدمه.
لم تكن الشعوب العربية تهتم بالقمم العربية، وما يصدر عنها من قرارات، ليقينها بأنها لن تخرج بنتائج أخرى غير ما يكتب على الورق، كما علمتها التجارب. وحتى قبل العام 2010، ظل جزء صغير من الجمهور العربي يتابع القمة، ليس لأنها ستنتج سياسات مفيدة على الأرض، تصون كرامة الأمة وحرياتها؛ وإنّما لمتابعة ما يحدث أحيانا، على طريقة أفلام «الأكشن».
في آخر قمةٍ مهمةٍ عُقدت بالكويت عام 2009، نُظّمت تحت عنوان «القمة الاقتصادية والاجتماعية والتنموية»، وكان هناك فيما يبدو استشعارٌ خفيٌّ بالانفجار الكبير القادم قريباً، بعد عامٍ واحدٍ، في سلسلة ثورات الربيع العربي. وصدرت قرارات كثيرة، وأُعلن عن جمع تبرعات، وإطلاق مشاريع، ظلت كلها حبراً على ورق. كان شعوراً باطنياً بالخطر، وإعلاناً بفشل مشاريع التنمية التي تبنتها الدول العربية بعد الاستقلال. وترافق ذلك مع حرب الكيان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، دون أن تمد له القمة طوق نجاةٍ، وكان ذلك إعلاناً بفشل هذه الأنظمة على المستوى القومي.
قبل كتابة المقال، بحثت عن آخر أخبار قمة نواكشوط عشية انعقادها، فلاحظت عدم وجود تقارير أو أخبار لدى وكالات الأنباء الرئيسية، كما قد تلاحظون عدم اكتراث القنوات الفضائية العربية من مختلف الاتجاهات بها. فهي قمةٌ لن تحل ولن تعقد، ولن تقبل ولن ترفض، على خلاف مزاعم تلك القناة التي أسمتها بأنها «قمة الأمل».
في خبرٍ صغيرٍ أورده موقع قناة أجنبية، قال إن «من المتوقع أن تناقش القمة أزمات سورية واليمن وليبيا والعراق، وتفعيل مبادرة السلام العربية ومكافحة الإرهاب، وصيانة الأمن القومي العربي، الخ»، وهي سلةٌ كبيرةٌ من المشاكل والأزمات ينوء بثقلها النظام العربي اليوم، وبعضها يتطلب لوحده أكثر من قمةٍ لحلها، مثل أزمة سورية أو العراق أو اليمن أو ليبيا. وهذه الدول الأربع على وجه التحديد، باتت دولاً ممزقة، وساهمنا نحن العرب بنصيب الأسد في تمزيقها وتدميرها، قبل وبعد أحداث الربيع العربي.
لم يكترث أغلب العرب بمتابعة «قمة اليأس العربي»، أو كما أسماها كاتب عروبي «قمة النصف يوم»، بل إن أكثرهم لم يسمعوا عن عقدها من الأساس، في تلك الدولة العربية الفقيرة النائية الضائعة في الصحراء.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/07/26