حكاية المنشية وحكاية تقسيم
مرزوق بن تنباك ..
التاريخ لا يعيد نفسه لكن الأحداث هي التي تعيد نفسها والتشابه بينها هو ما تقرره الأيام. في العام 1954م، كانت ثورة جمال عبدالناصر قد أمضت سنتين من عمرها ولم تكن قد حققت أكثر من الوعود في البيان الأول، وكانت جماعة الإخوان الفاعل الأقوى في المجتمع المصري الذي تلقى بيان الثورة بكثير من الترقب والشك في ما تريده ثورة العسكر وما يمكن أن تفعله للمصريين.
وكانت عين العسكر وقادة الثورة وأنصارها يتوجسون من الإخوان شرا ويتابعون أخبارهم عن كثب ويشعرون بالخطر الكبير على مكاسب الثورة من هذا التوجه المعارض بصمت، لم يحقق جمال عبدالناصر وضباطه شيئا مهما خلال السنتين الأوليين من عمر الثورة، ولم يجد المصريون جديدا فيما تنادي به جماعة عبدالناصر وضباطه، وبقي شأن جماعة الإخوان يمتد في محيط المجتمع وينتشر بقوة ويكسب المناصرين والأعوان في كل يوم وفي كل خطوة يخطوها العسكر في وعودهم التي يعدون بها ولا يحققون شيئا منها، ويصبح نصيب الإخوان من كل فشل للعسكر نجاحا لجماعتهم وزيادة في أنصارهم، ومن هنا بدأت حرب المصالح بين الطرفين جماعة تعمل بصمت وتكسب أكثر، وزمرة من الضباط يحكمون ويذيعون ما ينوون عمله وما يفكرون به وما يريدونه للشعب الذي ألقوا القبض عليه في ليلة وضحاها.
هنا الشعب وهناك العسكر ولا بد من الصدام بين هذين الخصمين ولا محالة من ذلك. لكن من يبدأ أولا، من يضمن نتائج ما يؤول إليه عمله، ومن سيكون البادئ بالمواجهة؟ لا شك أن من يمسك بزمام الحكم هو الأقوى في ظاهر المواجهة المرتقبة بين الطرفين، كل منهما عينه على الشعب ويتربص بالآخر، فكانت حادثة المنشية ومحاولة اغتيال زعيم العسكر.
مضى على حادثة المنشية أكثر من ستين عاما وكتب عنها عشرات الكتب ومئات المقالات وآلاف الخطب والرسائل، وما زال الجدل قائما حولها والسؤال عن حقيقتها بدون جواب، لكن النتيجة النهائية توحي بأن المستفيد الأكبر هو شخص جمال عبدالناصر، حيث أطلقت حادث المنشية يده في تصفية خصومه، أما جماعة الإخوان فنصيبها بعد ذلك القتل والتشريد في أقطار المعمورة.
أحكم جمال عبدالناصر قبضته الحديدية على مصر كلها وبلا منازع وأحكمت جماعة الإخوان نظرياتها وأفكارها على الوطن العربي كله وبلا منازع أيضا، بل وحتى على العالم الإسلامي، انتهى جمال عبدالناصر في هزيمة سبعة وستين وذاق الهوان والذل وهو حي، وذهب مع الريح، وبقي السؤال الأساسي بلا جواب إلى اليوم وهو هل دبر العسكر حادث المنشية للقضاء على الإخوان وتثبيت أقدامهم بالسلطة كما تزعم كل قيادات الجماعة، أو تسرعت الجماعة وأخطأت التقدير وقامت بالعمل فجنت على نفسها براقش..؟
حجة كل من كتب عن الحادثة هي البحث عن المستفيد، هل هم العسكر الذين كان الحادث لصالحهم أو الإخوان الذين خسروا المعركة؟
في أحداث تركيا اليوم يأتي تقسيم بدل المنشية، ويأتي العسكر بدل الإخوان ويفشل العسكر وينتصر أردوغان، انتصرت السلطة القائمة في كلتا الحالتين وأحكمت القبضة على الشعب والثورة، كان الخصم في حادث تقسيم هو فتح الله كولن والكيان الموازي، كما تسميه الحكومة، أو الخصم اللدود لأردوغان وأستاذه الأول وجماعته.
مرة أخرى تعود حكاية المؤامرة ومن دبر الانقلاب، هل هي الحكومة أو الكيان الموازي، ومن المستفيد مما حدث؟ قوائم الحكومة الجاهزة وقبضها على ألفين وسبعمئة قاض بعد ساعات من فشل الانقلاب أثارت الشك وأعطت فرصة للشائعات وسرعة المحاسبة وتحديد الخصوم والفصل والمنع من السفر للمدنيين في أيام قلائل زاد من الشك الذي تدور حوله الأحداث والقسوة في الانتقام يوحي بكثير من البلبلة ويجعل للمؤامرة نصيبا من الرواج والقبول.
السؤال الذي سيبقى في رحم الغيب لبعض الوقت هو: هل سيصير حال الكيان الموازي في تركيا كحال الإخوان في مصر يخسرون السلطة ويكسبون الشعب أو بالأصح يخسرون الحاضر ويكسبون المستقبل، أو تتحول تركيا إلى سلطة الحزب الواحد وقبضته؟ الشبه كبير بين ما حدث في المنشية قبل ستين سنة وما حدث في تقسيم هذه الأيام، الأحداث متشابهة والنتائج هي التي ترجح هذا الرأي أو ذاك والحكم للمستقبل.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/27