ملاحظات حول البرامج الأكاديمية للجامعات
مفلح زابن القحطاني ..
أدى التوسع الكبير الذي شهدته الجامعات السعودية خلال الفترة الماضية، وما ترتب على ذلك من الموافقة على إنشاء وافتتاح فروع وكليات وأقسام وبرامج جديدة إلى الاستعجال في اعتماد مجالس الجامعات العديد من البرامج في درجة البكالوريوس والدراسات العليا التي كانت تستحق قدرا من النظر والتأني.
وتبرز الملاحظات الخاصة بالبرامج الأكاديمية التي تم اعتمادها من مجالس الجامعات خلال الفترة الماضية في تكرارها ووجود جوانب ضعف في خططها الدراسية ومتطلبات التخرج منها، وكذلك القصور الشديد في التنسيق بين كليات الجامعة الواحدة، فضلا عن مختلف الجامعات في افتتاح البرامج، وتسرّع الجامعات الحديثة الإنشاء في فتح برامج كان يمكن التنسيق بشأنها مع الجامعات الأقدم والأخبر في تلك المجالات.
وتبدو المشكلة الكبرى في هذا السياق في ضعف التنسيق مع الوزارات والجهات المعنية بالتدريب والتوظيف، وعلى رأس تلك الجهات وزارة الخدمة المدنية، التي يجب الاسترشاد بها والتنسيق في هذا الجانب فتعديل بسيط في مسمى برنامج أو اختلاف محدود في محتوياته يؤديان إلى حرمان المتخرجين منه من حقوق ومسميات ومجالات وظيفية عليا رغم استحقاقهم، وكذلك ما يحدث من فتح برامج مع عدم التنسيق مع وزارة الخدمة المدنية والجهات المعنية، وبالتالي يجد الطالب برنامجه الأكاديمي غير مصنف في وزارة الخدمة المدنية.
إن ما أثارته وسائل الإعلام الأسابيع الماضية حول مشكلة طالبات جامعة طيبة حول تخصصهن في قسم دراسات الطفولة ومسماه الذي يبدو مختلفا عن نظائره وعدم اعتماده ليس إلا صورة لما يحدث في عدد من الجامعات السعودية من مشكلات تتعلق بالتخصصات والبرامج وموقف وزارة الخدمة المدنية منها، وهي مشكلات يجب أن تجد حلولا سريعة جدا من الجامعات ووزارة الخدمة المدنية؛ فما ذنب هؤلاء الطلاب والطالبات الذين أنفقوا عددا من سنوات عمرهم في الدراسة في هذه التخصصات التي يحدوهم الأمل أن تكون سببا في صناعة مستقبلهم؟
إن ما نشاهده من اكتظاظ منطقة معينة بعدد من الأقسام التي تدرّس نفس التخصص على مستوى الجامعة الواحدة أو أكثر، والزخم الكبير من الطلاب الذين يتم قبولهم في هذا الاختصاص، هو مؤشر على وجود خلل في التخطيط والتنسيق؛ فهذه القاعات والأموال والوظائف التي تم هدرها في هذا البرنامج المكرور كان يمكن استثمارها بنفس المقدرات والإمكانات وفتح برنامج نوعي يلبي طموح الشباب ويهيئهم لسوق العمل ويكون نافذة معرفية ومهنية نوعية للجامعة.
ومن هنا أرى أنه من الجيد أن تنظر الوزارة لهذه البرامج وأن تتأنى وتدقق فيما يرفع إليها من الجامعات بهذا الشأن وما تتضمنه محاضر مجالس الجامعات وأن يتم صناعة خارطة للأقسام والتخصصات والبرامج على مستوى الجامعات السعودية يُسترشد بها عند الشروع في استحداث أي كلية أو قسم أو تخصص أو برنامج، ليتم الحد من الهدر في الأموال والكوادر البشرية، ولصناعة قدر معقول من التوازن بين الكليات والأقسام والتخصصات والبرامج فيما بينها، وتحقيق شيء من ذلك التوازن مع ما يطلبه سوق العمل، مع الاهتمام بمختلف الفروع المعرفية، وهنا يبدو الفرق بين إبقاء جميع الأقسام والمعارف حية ولكن في الإطار الذي لا يترتب عليه صناعة بطالة، وبين الربط التام بين الجانبين مع إغفال حاجة المعرفة الإنسانية وحاجة المجتمع.. وهذا مطلب ضروري ومُلح.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/30