حيلة المستشار
فواز عزيز ..
بعض النصائح يتبرأ منها أصحابها.. وبعضها تتبرأ من أصحابها..!
حين أسمع بعض آراء بعض المقربين من المسؤولين، ووكلاء الوزارات وبعض الوزراء وأعضاء مجلس الشورى، أتذكر تلك القصة التي ذكرها كتاب «السياسة والحيلة عند العرب».
تقول القصة تحت عنوان «ناصح مخلص»، إنه كان لأحد الخلفاء العباسيين صاحب يغشاه قبل الخلافة ويخدمه ويجد منه النفع والنصح، فلما تولى الخلافة حضر يوما بين يديه، فقال له الخليفة: يا هذا إن لنا صاحبا ونريد نفعه بشيء من حطام الدنيا، وقد أمرنا له بـ»مائة ألف درهم»؟. فقال الناصح المخلص: يا مولاي هذا إسرافٌ وتبذير في بيت المال، وأمير المؤمنين عليه خرج كثير، وإن كان ولا بد من إعطائه فتكون «عشرة آلاف درهم». فما زال الخليفة يفاوضه ويحاول إقناعه حتى وصل إلى 30 ألف درهم فقط.
فلما لم يجد الخليفة حلا لإقناع «الناصح المخلص» لزيادة الهدية، أمر له بها، وقال: لك أردت أعطيها. فقال الناصح: يا أمير المؤمنين يكون حرماني لها عقوبة بسوء محضري. فقال له الخليفة: أصلح محضرك ما عشت فما يليق إلا الخير. وأمر له بمائة ألف دينار.
فكان ذاك درسا للناصح المخلص الذي كاد يضر نفسه ويحرم نفسه من هدية الخليفة، حين كان يريد أن يظهر بصورة المخلص الحريص على بيت المال، تخيل فقط، لو علم «الناصح» أن الهدية له، هل كان سيحاول تخفيضها إلى العُشر..؟!
بعض قرارات المسؤولين الكبار لا يعطلها ولا يحرم الوطن منها إلا بعض المستشارين والمقربين منهم، ليظهروا أمامهم بصور «الناصح» المخلص الحريص على أموال الدولة التي لا توفر المال إلا للوطن والمواطن.
حين يعرض المسؤول مقترحا على مستشاريه ووكلائه أو على ورشة عمل، هل يتوسع ذاك المقترح أم يتقلص؟ أعتقد أنه يتقلص؛ لأن بعض «الناصحين» لا يضعون أنفسهم مكان من يستهدفهم المقترح..!
عزيزي المستشار الحكومي.. النصح ليس بالتوفير؛ لأن الدولة ليست تاجرا يبحث عن الأرباح وتقليل التكاليف، النصح بالأصلح والأنفع حتى لو كنت لست من المستفيدين.
(بين قوسين)
كم من المقترحات والمشاريع تقلصت أو اختفت بسبب رأي لا يستشعر واقع المستفيدين منها؟
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/07/31