إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم
ونحن نتفيأ ظلال ذكرى ملحمة كربلاء، كثيراً ما يلحّ عليّ خاطرٌ يقول: ماذا كان سينقل القرآن الكريم عن مقتل سبط الرسول (ص) لو كان مستمراً في النزول حتى يوم عاشوراء؟
اهتم القرآن الكريم بنقل قصص الأنبياء وأتباعهم، وما لاقوه من محن وعذابات، وما قادوه من نضالات لإصلاح الأوضاع الفكرية والدينية والسياسية الفاسدة. ويتحدّث في العديد من السور، عن قصص الأمم الأخرى، وكيف قاد الأنبياء حركات الإصلاح، التي لم تقتصر على العبادات، بل شملت المعاملات اليومية وسياسة الناس والتحكم في البشر على أيدي قوى المال والسلطان ورجال الكهنوت المرتشين.
القرآن الكريم تحدّث في العديد من سوره، عن الحروب التي خاضها المسلمون ضد مشركي قريش، بدءًا بغزوة بدرٍ وأُحُد، إلى غزوة الخندق في سورة «الأحزاب»، وغزوة تبوك في سورة «التوبة»، فضلاً عن الوعد بفتح مكة قبل تحقّقه بسنتين، كما في سورة «الفتح». كما سجّل القرآن تفاصيل عمّا كان يعتري المسلمين من لحظات ضعف وهزيمة، ويوبّخهم أحياناً بسبب بعض تلك المواقف في تلك الحروب، أو يشد أزرهم ويثبت قلوبهم في مواقف أخرى.
وسجّل القرآن جوانب أخرى ذات بعد اجتماعي، واهتم كثيراً بالأخلاق وترسيخ القيم والمبادئ ذات البعد الإنساني؛ من أجل خلق مجتمع فاضل، يقوم على العدل والمساواة ومناهضة الجور والاستغلال. ولذلك نسأل: ماذا لو استمر القرآن في النزول حتى العام 61 للهجرة؟ هل سيمر بها مرور الكرام؟ أم سيهملها؟ أما سيتوقف أمامها طويلاً؟
القرآن الكريم تحدّث عن قصة أهل الكهف التي وقعت قبل بضعة قرون من نزوله، في سورةٍ تحمل اسم «الكهف»، من الآية 9 حتى 26، وقال عنهم: «نحن نقص عليك نبأهم بالحق. إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هدى». وكيف ربط على قلوبهم، حيث قالوا: «هؤلاء قومُنا اتخذوا من دونه آلهةً...»؛ وكيف اعتزلوا قومهم إلى الكهف، «ولبثوا في كهفهم ثلاثَ مئةٍ سنينَ وازدادوا تسعا»، وكيف تنازع الناس في أمرهم بعد عودتهم إلى الحياة، «فقالوا ابنوا عليهم بنياناً. ربهم أعلم بهم. قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً».
كان الناس في الجزيرة العربية يتداولون قصة أهل الكهف نقلاً عن أهل الكتاب، فثبّت القرآن النظرة الإسلامية للواقعة؛ قصة فتيةٍ آمنوا بربهم، وتمسّكوا بمبادئهم وقيمهم، وحين زاد عليهم التضييق فرّوا بدينهم إلى كهفٍ بعيد، حيث نشر الله لهم أفياء رحمته. فماذا كان سيقول القرآن لو كان ينزل أثناء أو بعد واقعة كربلاء؟
حفيد رسول الإسلام محمد (ص)، يُحاصَر في صحراء على بعد 1400 كيلومتر من مدينة جده، ويُمنع عنه الماء ويتعرض مرافقوه من نساء وأطفال إلى العطش، ويُقتل مع 16 رجلا وشاباً من آل بيت محمد، مع 100 من أصحابه وأنصاره، ليس بينهم إلا صالح تقي، نقي السريرة، لم يبغوا علواً في الأرض ولا فساداً. كان رائدهم الإصلاح، ووقف الفساد الذي أخذ ينخر في جسد الأمة ويدمّر أخلاقها، ويستبيح حقوقها ويسحق كرامتها ويقوّض احترامها لذاتها.
ما الذي يمكن أن يتناوله القرآن من قصة كربلاء؟ سواءً عن فتية ورجال وشيوخ آمنوا بربهم وتمسّكوا بمبادئ محمد ودافعوا عن بقاء دينه إلى الأبد في وجه أعاصير الردة الجاهلية، أم عن جيشٍ أجهز جنوده على أبناء الرسول وهم يكبّرون، ثم اصطفوا لأداء الصلاة فوق أشلاء الشهداء.
ماذا كان سيقول القرآن عن فتية أبدوا من الصبر والشجاعة والإيمان والتضحيات، لم يضعفوا ولم يستكينوا، ما أذهل العقول وحيّر الألباب، قال فيهم سيد شباب أهل الجنة: «فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي». رحمة الله عليكم وبركاته عليكم أهل البيت وأنصارهم... إنه حميد مجيد.
الكاتب: قاسم حسين
المقال لصالح صحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/10/23