لماذا يكرهون غاندي ومانديلا؟
قاسم حسين ..
من الطريف أن تكتشف وجود جماعةٍ من الناس، تكره كراهية عمياء، الحديث عن رموز الحرية والعدالة والمساواة في العالم.
من الممكن أن تتفهم انحياز البعض إلى مواقف معادية لغالبية الناس، حرصاً على مصالحهم ومنافعهم، ولكن ما لا تفهمه لماذا يظهرون كل هذه الحساسية والكراهية لرموز الحرية في العالم. فهؤلاء، وبفعل الانحياز المصلحي أو الطبقي، يتخذون مواقف معادية لكل فكر أو شخص أو موقف إنساني، حتى أصبحوا نماذج للروح الشوفينية المنغلقة على الذات.
من المستحيل أن تجد لدى هذه الثلة، الجرأة أو حتى القدرة على الحديث عن شخصٍ ملهمٍ مثل غاندي، الذي استطاع أن يقاوم امبراطورية الشر البريطانية، التي استنزفت قوى الهند لأكثر من قرنين، ومزّقت الشعب الهندي، واستطاع أن يحقّق استقلال ووحدة بلاده بطريقةٍ سلميةٍ تماماً، دون حروب أو نزاعات دموية. مثل هذه الشخصية العالمية الحرة تستعصي على أقلام بقايا العنصريين في هذا العصر.
من المستحيل أن يكتب أحدهم مقالاً عن مارتن لوثركنغ، داعية الحقوق المدنية الأشهر، الذي قاوم العنصرية في عز دارها، وقوة قرارها، حتى أحدث تحولاً كبيراً في مجرى التاريخ الأميركي، باتجاهٍ أكثر مساواةً وإنسانيةً، ما فتح الباب أمام صعود الكفاءات من الأميركيين السود إلى أعلى المناصب والوزارات، حتى أصبح أحدهم سيد البيت الأبيض، وأصبح ذلك مفخرةً للأميركيين جميعاً.
مارتن لوثركنغ قاد نضالاً إنسانياً كبيراً، استقطب كل الأحرار، بيضاً وسوداً، بما صحّح انحرافات السياسة الأميركية في الداخل، ودفعها باتجاهٍ أكثر عدلاً. ومثل هؤلاء العنصريين الانعزاليين لا يمكنهم أن ينسجموا أو يقبلوا أو يقتنعوا أو يتفاعلوا مع أي شخص يدعوهم إلى استنشاق نسائم الحرية، أو يذكّرهم بواقع الاستعباد الذي يعيشونه، ولذلك يكرهون أن يورد أحدٌ سيرة المصلحين على مسامعهم.
مثل هؤلاء، يكرهون أن تذكر اسم مناضل أممي، مثل نلسون مانديلا، ويصابون بنوعٍ من الارتيكاريا فيهرشون جلودهم غضباً، لماذا تذكر مانديلا؟
مانديلا الذي كافح في سبيل نيل شعب جنوب إفريقيا حقوقه الطبيعية، دون تمييزٍ أو عنصريةٍ أو اضطهاد، وسُجن سبعة وعشرين عاماً، من أجل المساواة بين جميع الأعراق، لإيمانه بمبادئ العدل وتكافؤ الفرص وسيادة القانون على الجميع. هذه الشخصية السياسية التي أجمع كل ساسة العالم، شرقاً وغرباً، على احترامها، يعترض مثل هذا الانعزالي على الكتابة عنها. والسؤال يجب ألا يوجّه لمن يكتب عن مانديلا، وإنّما يجب أن يوجّه لمن لا يجدون الجرأة أو الأهلية أو النزاهة للكتابة عنه: لماذا تكرهونه إلى هذا الحد؟
في المثل العربي: «شبيه الشيء منجذبٌ إليه»، ولذلك لا يستطيع المهرّجون أن يكتبوا عن قممٍ إنسانيةٍ شامخةٍ، مثل غاندي أو لوثركنغ أو مانديلا.
إن الثقافة العنصرية المريضة لا تنتج إلا مرضى نفسانيين. ومن يعيش في أجواء الحانات الملوثة لا يمكن أن يتحمّل الهواء النقي. والذين يستنفعون من الأوضاع البائسة ليعيشوا في رفاهيةٍ على حساب عذابات الآخرين، لا يمكن أن يكتبوا بنزاهةٍ عن المصلحين في التاريخ.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/08/08