القضاء وقطاع المال والاقتصاد
عيسى الحليان ..
اليوم قضيتنا الأساسية هي قضية اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، وهي القضية المفتوحة والمتاحة على كل الاتجاهات، خلاف كونها قضية مرتبطة ومتداخلة مع جملة من القضايا الأخرى كالتوظيف والبطالة والإسكان والفجوة بين الدخول العامة والأسعار، وهذه الأمور هي الشغل الشاغل لبرامج التنمية الحكومية اليوم، نعم لنا قضايا أخرى هامة وملحة، لكنها غير مطروحة اليوم، وليست في وارد بحث ولن يحلها سوى الزمن.
هذا الاقتصاد المسكين هو المغلوب في كل المواجهات التي يكون طرفا فيها (السياسية والقضائية والأيديولوجية والاجتماعية) بالتالي فهو قطاع (معصور) وليس نسيج وحده، بل نسيج غيره.
وما يهمني هنا هو علاقته المحورية والإستراتيجية بجهة واحدة تحديدا هو القضاء، وكيف أثرت هذه العلاقة الملتبسة في ظل مظاهر الارتياب وعدم الثقة في مفاصل هذا الاقتصاد وفي كل دوراته المختلفة في رسم ملامحه التي لا تشبه غيره، حيث يظهر كرجل يلبس بشتا وكرافته ينزع العقال ساعة، ويلبسه ساعة أخرى، وبالتالي فإن هذه العلاقة ألقت بظلالها على تحديد هويته ونموذجه وبالتالي على حلول البطالة والاستثمار ومدى توفر رأس المال العامل وديمومة دورته المعتادة، وهي العلاقة التي لم تبحث للأسف ولم تطرح على الطاولة بشكل جدي لما في ذلك من خدمة لا تقدر بثمن لكلا القطاعين، وبالتالي للتنمية بشقها التقليدي (العام) وتحديدا الجانب الاقتصادي والمالي الذي تحوم حوله برامج التنمية اليوم.
منتدى الرياض الاقتصادي حاول، وقدم ورقة عمل في إحدى دوراته عن هذا المرفق القضائي، ولكن الدراسة تحولت إلى بحث وثائقي وحامت حول تخوم الموضوع، ولم تدخل في التفاصيل أو تذكر أرقاما خوفا من الدخول المحظور.
إذا كان شخص واحد من داخل هذا المرفق وبمرتبة وكيل وزارة يقول إن الأموال الوطنية التي هربت من البلاد تبلغ 3 تريليونات جراء عدم وجود تقنين قضائي ملزم، فماذا عسانا أن نقول عما خسرناه من استثمارات ورؤوس أموال أجنبية، وما فقدناه في غياب الرهن العقاري، وما فات على مؤسساتنا الصغيرة والمتوسطة من تمويل بسبب غياب فرص التمويل وارتباطه بالقضاء المصرفي، وعن توقف البيع بالآجل على مدى عقود وعن توقف حركة تدفق رؤوس الأموال في الداخل وما ترتب على ذلك كله من الاحتكام إلى اللجان القضائية في التسويات التجارية والمصرفية والعمالية مما يوضح حجم الفجوة الكبيرة بين هذين القطاعين، وبالتالي ما تخسره البلاد جراء هذه الفجوة الكبيرة والعلاقة الملتبسة وضعف الدراسات والطروحات التي تبحث في ذلك ما يترتب عليه من خسائر مباشرة، وأكبر منها غير مباشرة للبلاد.
صحيفة عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/08/13