المتقاعد النرويجي: كفاية دلع
علي الشريمي ..
في النرويج تم إلزام الشركات العقارية والاستثمارية بتوفير وحدات فنادق خاصة للمتقاعدين، تتوافر فيها خدمات 5 نجوم من برك سباحة وصالات ألعاب وخدمات طبية وتمريضية على مدار الساعة
قبل أسابيع أصدرت شركة Natixis تقريرا حول التقاعد في العالم لسنة 2016، ويهدف هذا المؤشر إلى نشر إحصاءات تتعلق بقدرة البلاد على تقديم خدمات تلبي توقعات المتعاقدين وطموحاتهم.
احتلت النرويج المرتبة الأولى في المؤشر، إذ تتمتع بقطاع خدمات متطور وبنية تحتية متقدمة وناتج محلي إجمالي مرتفع للفرد الواحد. ويستند المؤشر على أربعة مقاييس: العوامل المادية، الرفاه، الصحة، ونوعية الحياة.
في النرويج تسعى الحكومة إلى تطبيق رعاية نوعية ومتميزة إلى المتقاعدين من العمل لوصولهم إلى السن القانونية، وهذه السن في الوقت الحالي هي 65 عاما. هذه الرعاية جاءت باعتبارهم الجيل الأول الذي قدم خدماته وقام بواجباته، ومن هنا فقد تم إلزام الشركات العقارية والاستثمارية بالاهتمام بتوفير وحدات الفنادق السكنية الخاصة للمتقاعدين التي تتوافر فيها خدمات 5 نجوم من برك سباحة وصالات ألعاب وخدمات طبية وتمريضية على مدار الساعة، بحيث تصبح المعيشة فيها مريحة وأمينة وصحية وجذابة ومفيدة أكثر من بقاء هؤلاء المتقاعدين في بيوتهم أو بيوت أبنائهم الخاصة، خاصة لأولئك الذين تعودوا مشاركة الآخرين أنشطتهم العقلية أو الرياضية المتنوعة. فهذه ليست دورا للعجزة بقدر ما هي فنادق فخمة من فئة 5 نجوم يمكن للرجل أو المرأة الكبيرة في السن دخولها أو تركها ساعة شاؤوا.
وفي النرويج يعد المتقاعدون جزءا من الثروة القومية، لخبراتهم وكفاءاتهم ودورهم في بناء المعجزة الاقتصادية والصناعية. ولذلك قررت النرويج عدم الاعتماد على النفط لتمويل ميزانيتها، بل وضعت عائداته كلها في صندوق للأجيال، إذ يحصل صندوق معاشات التقاعد الحكومي فيها على نصيب الأسد. المؤسسات العامة والخاصة النرويجية، توظف كل الإمكانات والوسائل، لرعاية هذه الشريحة، إذ بدأت بتطبيق نظام جديد ينص على ضرورة استفادة الشركات والمؤسسات الاقتصادية والتجارية والعلمية من خبرات هذا الجيل ونضجه العملي والنفسي، عن طريق استحداث وظائف تحت مسمى (مستشارين)، يمارس من خلالها كبار السن دورهم في العمل والتطوير.
نعم هي عقلية حضارية، وروح اجتماعية، تسعى عبر طرق ومبادرات حضارية، تؤسس فيها المؤسسات لرعاية هذه الشريحة الاجتماعية التي قامت بدورها الوطني، إبان شبابها وقوتها، وحان وقت رعايتهم من جانب مؤسسات المجتمع تقديرا لهم وعرفانا بالجميل عن الأدوار التي قاموا بها في بناء المجتمع والوطن. نحن بأمس الحاجة إلى إعادة النظر في نظمنا الاجتماعية، وأعرافنا السائدة، التي تتعامل مع المتقاعدين، خاصة بعد لفظة "دلع" التي وصم بها أحد أعضاء مجلس الشورى السعودي -قبل أيام- ما يقارب المليون متقاعد تجاوز معظمهم الستين عاما، وذلك بعد موافقة المجلس على نظام "غلاء المعيشة للمتقاعدين"؛ عندما قال: "ما هو على كيفكم تقبلوا الوظيفة الحكومية، وتدلعوا وتطالبون برواتب مرتفعة، اتجهوا للقطاع الخاص والميدان". أسوق كل هذا الكلام حول المتقاعدين وضرورة التفكير في موقع هذا الجيل في الخارطة الاجتماعية، وهذا بطبيعة الحال، يتطلب أولا وأخيرا تجديد ثقافتنا ونظام مفاهيمنا وألفاظنا التي تخرج من أفواهنا.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/08/18