هل نجحنا في محاربة الفساد؟
عماد العباد ..
تعيش المملكة في هذه الفترة مرحلة مفصلية ومخاضاً تاريخياً مهماً يتمثل في التحول الوطني الذي يعول عليه أن ينقل البلاد إلى مرحلة مابعد النفط وتنويع مصادر الدخل. وينتظر من هذه الخطة أن تكون حجر الأساس لبناء قوي شبيه بذلك الإنجاز الذي صنعته سنغافورة الصغيرة على يد "لي كوان يو" و ماليزيا بفضل "مهاتير محمد" .
ولأن المجال لا يسمح للحديث عن كافة تفاصيل الرؤية حيث إنها متشعبة وكبيرة بحجم الطموح، فسأقتصر على جزئية مهمة جدا وهي محاربة الفساد التي لعبت دورا كبيرا في نجاح وفشل كثير من الأمم على مر التأريخ. وحولنا أمثلة حية لذلك لا تحتاج للكثير من التحليل. فالفلبين،مثلا، كانت في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، ثاني أسرع الاقتصادات الآسيوية نموا بعد اليابان. إلا أن مسيرتها الإصلاحية تعثرت بعد أن اعتلت بالفساد. ولم يشفع للفلبين تعليمها المتفوق وجودة مخرجاته والمهنية العالية لأبنائها. فقد انتشر الفساد في مفاصلها وأدخلها في دوامة من المعاناة لم تخرج منها حتى الآن.
والفساد أيضاً هو الذي جعل أجزاء كبيرة من أفريقيا الغنية بالكثير من الموارد ترزح تحت خط الفقر وتنهشها المجاعة بين حين وآخر رغم ما تكتنزه أراضيها من خيرات وفرص كبيرة.
الأمثلة الأخرى كثيرة جدا على دول وقعت ضحية الفساد ففشلت وغاصت في مستنقع الفقر والبطالة. وأخرى كافحته بكل جدية فانتعشت وتطورت وانتقلت للعالم الأول.
محلياً، المملكة تنبهت لهذا المرض الخطير وعملت على محاربته. وكانت أولى خطواتها في هذا المجال، الاعتراف بوجوده وتأسيس هيئة لمكافحته. مما أدى إلى تحقيق نجاحات جيدة في حرب السعودية على الفساد، فحصلت في تصنيف منظمة الشفافية الدولية على 52 نقطة مقارنة ب 33 نقطة قبل عشر سنوات متفوقة بذلك على دول متقدمة كإيطاليا التي حققت 44 نقطة فقط(والتي بالمناسبة يعد تهاونها في محاربة الفساد أحد أسباب ترنحها الاقتصادي الأخير).
ورغم أن هذا التطور يعد إيجابيا وخطوات تصاعدية إيجابية، لكنه ليس كافياً. خصوصا إذا كنا نرسم لاقتصاد مستقبلي قوي ودائم. وأعتقد أن أحد أهم الخطوات التي يجب أن تتخذ لدعم محاربة الفساد، تكمن في تقوية هيئة مكافحته التي أغرقت نفسها مؤخرا في تفاصيل كثيرة، كمتابعة حضور وانصراف موظفي الدولة والالتزام بالبصمة وغيرها. ماجعل طاقتها تتشتت عن متابعة القضايا الأهم كالفساد المالي والإداري الذي تسبب في انخفاض مريع في مستوى جودة البنية التحتية وهدر مالي كبير لمشاريع تنفذ بمعايير رديئة. وخذ السوء الفادح في تنفيذ الشوارع وحفرها وتعرجاتها وغرقها في أيام المطر، كمثال بسيط على ذلك.
وأخيرا، علينا ألا نغفل عن محاربة الفساد كعنصر أساسي لا تتم معادلة التنمية بدونه. ولن يتم ذلك إلا عبر منح صلاحيات أكبر لـ "نزاهة" وسن قوانين جديدة وصارمة في حق كل من يثبت عليه تهمة التفريط في الأمانة والتلاعب بالقوانين. إذ لا يمكن ردع معدومي الضمير إلا بقوة القانون وصرامة العقوبات.
لصالح صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/08/22