لماذا لا يحبون الإعلاميين!؟
فهد عامر الأحمدي ..
أثناء عملي في إمارة المدينة كنت أتشرف يومياً بلقاء الوجهاء وكبار المسؤولين في المنطقة.. الشيء المشترك بينهم كان عدم حبهم للصحفيين، وتهربهم من الإعلاميين، وعشقهم للمصورين.. كانوا يتعاملون مع الصحفيين كمتطفلين أو "ملاقيف" يبحثون عن الخطأ، ويتتبعون القصور، وينشرون الغسيل القذر.
لم يدرك معظمهم أنهم يجب أن يكونوا كذلك وأن هذه مهمة الصحافة وطبيعة الإعلام.. التطبيل والتمجيد لا يسمى إعلاماً بـل نفاق وبروبغندا.. مهمة الصحفي المحترف ليست إخبار الناس عن المدارس التي بنيت، أو المستشفيات التي أنشئت (فهذه واجبات الحكومة ووظيفة المسؤولين) مهمته الأساسية إخبارك عن مكامن الخطأ، وأوجه القصور، وأسباب التأخير.. يجب أن يفعل ذلك بلا مجاملة كون ما يحدث في الخفاء يجنح للفساد، وما يحاك في الظلام لا يصب في مصلحتك، ومايحدث في السر ينتهي غالبا بالسرقة والاختلاس..
... الحقيقة هي أن الإعلاميين يقدمون خدمة إيجابية للمجتمع حين ينتقدون أي جهة أو يكشفون أخطاءها علناً، فـالنقد يدفعها للتصحيح، والسكوت عن أخطائها يتسبب بانحرافها أكثر.. لهذا السبب تدعى "الصحافة الحرة" بالسلطة الرابعة (بجانب السلطة التشريعية والقانونية والتنفيذية) كون وجودها ضرورياً لتعديل المسار وكشف الانحراف وإعادة الأمور إلى نصابها الطبيعي..
أنا شخصياً أعتقد أن من ضريبة المهنة أن يصبح الإعلامي مكروهاً من بعض المسؤولين وفئات المجتمع.. من الطبيعي ألا يفوز في أي انتخابات شعبية بسبب الاختلاف حوله والشك الدائم بطبيعة عمله، ناهيك عن سهولة الاستشهاد بأرشيفه العلني والمفتوح..
... على أي حال؛
مشكلة الإعلاميين الكبرى ليست مع المسؤولين، بل مع عامة الناس الذين لا يفهمون طبيعة المهام التي يؤدونها في المجتمع.. فمعظم الناس مثلاً يخلطون بين مهمة الإعلامي وآراء الإعلامي نفسه.. لا يفرقون بين نقد المسؤولين، ونقد المبادئ التي يقوم عليها عمل المسؤولين. فـحين ينتقد الإعلام مثلاً أحد أعضاء "الهيئة" يفهم البعض نقده كوقوف ضد مبدأ الأمر بالمعروف، في حين أنه بهذا النقد يحاول فصل الأمر بالمعروف عن التصرفات السلبية لبعض العاملين فيه..
وحين يؤيد أحد الكتاب قيادة المرأة للسيارة يؤخذ كلامه كدعوة للتغريب وإفساد المرأة (رغم أن لديه زوجة وبنات يخاف عليهن أيضا) ولكنه ببساطة يناقش قضية أصبحت تهم قطاعا كبيرا من المجتمع سواء تحدث عنها أو لم يتحدث..
وحين يجري أحد الإعلاميين لقاء مع شخصية منفتحة قد يُـتهم بالليبرالية والعلمانية (بصيغة الشتيمة) رغم أنه يتولى دور المحقق والمستنطق للضيف نيابة عن الجمهور (وهذا هو الهدف الحقيقي من البرامج الحوارية)..
... سبق وسمعت من ينتقد الأستاذ تركي الدخيل بخصوص طبيعة الشخصيات التي كان يستضيفها في برنامجه السابق "إضاءات".. فقلت له (من وجهة نظر إعلامية بحتة): برنامج حواري كهذا يخدمك بطريقتين؛ اما أنك لا تعرف الضيف فـيمنحك فرصة التعرف على شخصية جديدة (أنت في النهاية من سيحكم عليها) أو أنك تعرف الضيف مسبقاً وتملك موقفا تجاهه (سلباً أو إيجاباً) وبالتالي يجب أن تشكر الأستاذ تركي كونه استنطقه بالنيابة عنك ومنحك فرصة (كشفه على حقيقته)!!
ـــ أيهـا السادة؛
كلمة "إعلام" تأتي على وزن "إخـبار"..
وهي كذلك بالفعل كونها تخبرك بالنواقص والأخطاء بطريقة محايدة ومجردة.. ولأن الإعلامي يتحمل هذه المسؤولية يتحمل بالتالي تبعات الاتهام وغضب المسؤولين وسوء الفهـم من المجتمع.. لهذا السبب أرجو أن نغير نظرتنا للإعلاميين وننظر إليهم كمهنيين يحاولون تسليط الضوء على الزوايا الخفية والبقع المظلمة في المجتمع.. وبالطبع لا تحتاج لمن يخبرك بأن من مصلحة البعض لجم ألـسنتهم كي لا ترى ولا تسمع ولا تفهم الحقيقة..
وحين يحدث هذا كن على ثقة بأن ما يحدث في الخفاء يجنح للفساد، وما يحاك في الظلام لن ينتهي لمصلحتك..
لصالح صحيفة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/08/22