هذا الذي يمنع يا أمير
صالح الشيحي ..
قبل فترة، قضيت نصف نهار في إحدى الدول تحت ظل شجرة. يبدو ذلك مضحكا. لكنها الحقيقة. خرجت من الفندق بحثا عن الطبيعة. ما الوجهة التي يقصدها السياح في هذه المدينة؟ -سألت المرشد السياحي- فأرشدني إلى تلك الشجرة. ذهبت إليها عند الظهر. لم أعد إلا عند الغروب. ربما لو كان الأمر ممكنا لنمت تحتها!
أعادني إلى تلك الشجرة، حديث لسمو الأمير خالد الفيصل -أمير منطقة مكة المكرمة- أثناء جولة له في المشاعر المقدسة. كان يسأل مسؤولي الأمانة قائلا: "ما الذي يمنع زراعة شجر لأجل الظل، وتخفيف حرارة الشمس؟". أشار بيده إلى مجموعة من الخيام قائلا: "ليش ما يكون حولها شجر؟!".
لو كنت موجودا لقلت له: يا سمو الأمير، إن مشكلتنا أن قرار زراعة شجرة بيد موظف. ربما يكون عاملا وافدا. وإزالتها وخلعها من جذورها بيد موظف آخر. لذلك نعيش اليوم في مدن وشوارع تخضع صورتها النهائية لمزاج موظف!
أعود إلى تلك الشجرة، وجدت لوحة جوارها تقول إن عمرها يتجاوز 600 سنة. امتدت أغصانها -دون مبالغة- إلى عشرات الأمتار. تحت ظل تلك الشجرة نشأ اقتصاد مذهل. مطاعم. مقاه. محلات تبيع التحف. باعة متجولون. مصورون هواة. كل هذا يحدث تحت أغصان شجرة في رأس جبل، يتجول حولها وتحتها مئات البشر من كل أرجاء الدنيا.
هل أكون مخطئا حينما أقول: إن الاهتمام بالشجرة والحفاظ عليها معيار دقيق لحضارة الشعوب ووعيها وتقدمها؟
مهما توسع العمران، وفُتحت الطرق، لا يجوز الاقتراب من الأشجار. في الأردن قرابة 500 شجرة معمرة، لا يجوز التصرف فيها بقرار فرد. في تركيا أيضا، وفي الغرب، أتوقف طويلا أمام أشجار معمرة على الأرصفة، ربما يصل اهتمامهم بها مرحلة التقديس. هناك أشجار معمّرة في بريطانيا وأميركا، بعضها يعود -حسب الجيولوجيين وخبراء الزراعة- إلى خمسة آلاف سنة!
كانت لدينا حديقة تحتضن أشجارا معمرة قياسا بعمر مدينتنا. عمرها يتجاوز 43 عاما. استيقظنا ذات يوم ولم نجد فيها شجرة واحدة. بقرار موظف أهوج تم إزالة الأشجار. تألمت. غادر الموظف إلى بلده. حتى اللحظة أشعر بالألم. ما الصلاحية التي كان يمتلكها حتى يعبث بوجه المدينة!
أقدم شجرة تعيش على الكرة الأرضية اليوم تعود حسب رأي العلماء إلى 9550 سنة، وموجودة في السويد. مؤكد أن الاقتراب منها أو العبث بها أشد خطرا من العبث بمفاعل نووي!
ليس من حق أحد أن يزيل شجرة؛ فقط لأنه لا تناسب مزاجه أو ذوقه. إزالة شجرة معمرة بمثابة إعدام إنسان. توقفوا عن ذلك.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/08/31