عمان ثروتها الأخلاق!
خلف الحربي ..
كانت رحلتي هذا الصيف طويلة ومرهقة تنقلت خلالها بين مدن متباعدة ولحسن حظي أنها انتهت في صلالة العمانية حيث الطقس الجميل والهدوء الذي كنت بأمس الحاجة إليه. لم أذهب إلى عمان من قبل وكنت أظن أنني أعرفها جيدا كونها دولة خليجية تتشابه معنا في أغلب التفاصيل ولكني اكتشفت أن التشابه لا يعني بالضرورة التطابق والتماثل.
لا يمتلك العمانيون الثروة البترولية الهائلة التي يمتلكها أشقاؤهم في دول مجلس التعاون وقد ساهم ذلك في وجود مواطن لم يفسده النفط إذ يعمل أهل البلد في مختلف المهن ويعيشون حياة جيدة لا تختلف كثيرا عن الحياة في بقية دول الخليج ولكنها خالية من العادات السيئة والمكلفة، وما من شك أن الثروات المادية زائلة ومتغيرة بتغير الزمان والظروف، ولكن قدرة الإنسان على التكيف مع مختلف الظروف هي الاستثمار الثابت والمأمون وهذا لا يمكن أن يكون ما دامت ثقافة المجتمع في العمل والإنتاج معلقة بمؤشرات أسعار النفظ.
قبل 15 قرنا من الزمان قال المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام لرجل ذهب إلى حي من أحياء العرب فسبوه وضربوه: (لو أن أهل عمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك)، وثروة عمان الحقيقية في أخلاق أهلها الذين يتميزون بالتواضع الجميل والهدوء العجيب والترحيب بالغرباء والكرم الذي لا يخالطه تصنع، واحترام القانون، في عمان مجتمع متدين ولكنه بعيد جدا عن الوصاية والانشغال بالآخرين، وفيها مجتمع قبلي تقليدي ولكن تمسكه بجذوره القبلية لم يوقعه أبدا في حفرة التعصب الأعمى والتفاخر الممجوج. وقد منح الله الإنسان العماني قدرة عظيمة على الصبر المحمود، فقد رأيت زحام السيارات الشديد في أعالي الجبال والذي لو كان في بلد خليجي آخر لنتجت عنه ألف مشاجرة في الدقيقة الواحدة ولكن العمانيين يفسحون الطريق لبعضهم البعض ويتشاركون في مساعدة السيارات العالقة في منتصف الطريق ولا يجدون أي مشكلة في الانتظار داخل سياراتهم مع عائلاتهم حتى يتحرك السير دون أن يجدوا حاجة فيزيائية لتعليق أبواق السيارات احتجاجا على توقف السير.
وقد يشكو العمانيون من بطء المشاريع التنموية ولكن للإنصاف فإن التنمية في عمان مقارنة بإمكاناتها الاقتصادية أفضل من نظيرتها في بعض دول الخليج، فمطار صلالة يعتبر المطار الثاني في عمان بعد مطار العاصمة مسقط ولكنه أفضل وأكثر أناقة وحداثة وتجهيزا من مطارات جدة والرياض والكويت، وشبكة الطرق بين المحافظات الرئيسية جيدة، والعمل لا يتوقف كي تشمل المدن والبلدات المختلفة، وكذلك الرعاية الصحية المجانية، والاستثمارات السياحية العالمية يمكن رؤيتها من خلال المنتجعات والفنادق الفاخرة. باختصار هناك عمل دؤوب يصاحبه صمت الواثقين، حيث لا يجد العمانيون أنهم بحاجة إلى الضجيج الإعلامي دون نتيجة حقيقية على أرض الواقع.. فسلام الله على عمان وأهلها.
عكاظ
أضيف بتاريخ :2016/09/04