علي سعد الموسى ..

في أيام الطفرة التي انتقلت إلى سراب الأحلام قبل ثلاثة أعوام، كنا معكم ومثلكم نقرأ ونستمع إلى الأساطير عن إيجاد الوظائف مع كل مشروع جديد أو تطوير لفكرة قائمة. خذ مثلاً أن المدينة الاقتصادية الفلانية ستلد ربع مليون وظيفة جديدة وأن مجموع خراج هذه المدن من الوظائف سيصل إلى مليونين. أحد المشاريع الوطنية يحمل في أحشائه 300 ألف وظيفة مستقبلية، وحتى فكرة تطوير المطارات ستدخل مستشفى الولادة لتنجب لنا 200 ألف وظيفة، وهذا بالحساب الرياضي يعني موظفا واحدا لكل 3 مسافرين، وهو طرف هائل نحمد الله أنه مات مع ذهاب الطفرة، وإلا لكنا أمام مواطن برجوازي جديد يدخل مطاراتنا ثم يقول لنا: كفاية دلع. أوهام وأساطير خرافات إيجاد الوظائف هي من أدخلتنا إلى غرف العناية المركزة في الغرفة المجاورة لـ"الطفرة" التي تتطلبكم "البيحة"، لكن الكارثة أننا ما زلنا نحلم بملايين الوظائف الجديدة من التصريحات الفراغية لأيام الطفرة.

إن هيئة المدن الصناعية قد وعدتنا بـ600 ألف وظيفة في حائل ومدينتها الحلم، وهو رقم من الموظفين الجدد يفوق عدد سكان المدينة بالضعف، وهذا يعني أن على كل "حائلي" شهم كريم بناء دور جديد فوق سطح المنزل من أجل استيعاب القادمين الجدد الذين سيغيرون بالوعود حتى اللهجة الحائلية العذبة الأنيقة. هذه الوعود التي تشربناها في أرقام التصاريح بالوظائف الجديدة مع كل مدينة أو مشروع أو تطوير أو فكرة لا يشبه إلا ما قاله عالم الحشرات الإنجليزي "بيرنارد رالف" عن حشرة "البارزولا" التي تعيش في الأحراش الكثيفة لغابة الأمازون، فماذا قال بالضبط: يقول رالف إن هذه "البارزولا" تخرج من أحشائها ما يقارب 20 ألف "يرقة" في الساعة الواحدة للحشرة الواحدة، ويتكرر ذلك الأمر 6 مرات في العام الواحد، وكل "يرقة" تتحول إلى حشرة تستطيع الحياة لعامين، وهذه دورة حياة مذهلة فيما نعرفه عن الحشرة. والكارثة أننا صدقنا نظرية هذا العالم الفذ دون الدخول في تفاصيل الأرقام، ولعل أهمها: كيف استطاع هذا الباحث أن يقف مراقبا لهذه الحشرة ثم يشاهد خروج 20 ألف "يرقة" من رحمها في الساعة الواحدة؟ وهو ذات السؤال بالضبط الذي أوجهه لأباطرة تصاريح الوظائف الجديدة، ولكن بتعديل لغوي ما بين "الموظف والحشرة". كيف ستتحمل غابة الأمازون أيضا كل هذه السحب الهائلة من عشيرة "البارزولا"؟ وهو ذات السؤال الذي أعيد إرساله إلى الذين باعوا إلى هؤلاء المواطنين خرافة إيجاد الوظائف. وهنا أختم بالشك أن هؤلاء السادة الكرام كانوا يقرؤون مساء وقبل النوم كتب "مبادئ علم الحشرات"، وفي النهار يذهبون لمكاتبهم دون فصل بين النوم وبين اليقظة، وبين وظيفة المواطن وبين دورة حياة الحشرة. أنا لم أقل -أبداً أبداً-: بين الإنسان وبين الحشرة.

صحيفة الوطن أون لاين