متى تكون المقابلات جريمة؟
مرزوق بن تنباك ..
نقلت بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي أسئلة ونصوصا لبعض المقابلات التي تعرض لها بعض المتقدمين للدراسة في إحدى الجامعات، تحمل مضامينها تصنيفا غير مقبول أوجد ريبة لدى المتقدمين من طرحها وطلب الإجابة عليها، وشعروا بعدم حياد القائمين على إجراء المقابلات والشك فيما يراد من ورائها.
وعند إثارة الموضوع جاء الرد بلسان ناطق الجامعة “إن المقابلات إجراء معروف”، والخلاف ليس على المقابلات وإجراءاتها المعروفة، لكنه على مضامين المقابلات التي تجريها للراغبين في الدراسة، وهو قول غير مقنع، فالمعروف أن المقابلات في الجامعات وفي الوظائف والتعيينات هي كذلك متعارف عليها عند قوم غيرنا، وتكون المقابلة لاختيار الأفضل للعمل والأصلح للدراسة والأجود لما يقابل من أجله، وتكون في غاية الدقة والموضوعية، ويكون الذين يجرونها بعيدين كل البعد عن التحيز لأي طرف في المقابلة.
وفيما يتعلق بالدراسة خاصة تكون المقابلات لتحديد القدرات ومساعدة المتقدمين لاختيار ما يحسن بهم وما يصلح لمستقبلهم وما يستطيعون السير فيه مما يوافق ميولهم ورغباتهم، وقلما تكون للرفض أو الحرمان، وهي عادة يجري عليها العرف في العالم اليوم، ولها قوانينها ومناهجها التي لا تتيح التجاوز فيها للحقوق الثابتة والمشتركة بين المتقدمين، لكن من إبداعنا في الحاضر أننا نأخذ من العالم ما هو مقنن بقوانين القوم ونستجلبه ونجري عليه ما نجعله خاصا بنا يفيدنا ولا يقيدنا بضوابطه وأحكامه.
أعرف أهداف المقابلات المتعارف عليها في العالم، وأعرف غاياتها عند غيرنا، وأعرف بعض غاياتها عندنا عندما تكون للتمييز وللتصنيف، وعندما تكون حجة للتخلص مما لا نريده، أو عندما نفضل من نحب على من ينافسه من غير حب ولا معرفة، هذا في التفاضل لأمر عادي قد تكون ضحيته شخصية واحدة، وهو وإن كان ظلما وعدوانا على الحقوق المشتركة بين المواطنين وعملا مرفوضا، إلا أنه مع ذلك يضع غير الكفء للعمل موضع من هو أكفأ منه وأجدر بالمكان الذي سيأخذه عمن يستحقه.
عرفت عن قرب وتجربة ما يحدث من خلل وما يقع من أخطاء عندما تكون الكفة غير عادلة في يد من يجري المقابلات، وعرفت كيف تسلك الطرق الملتوية لاستبعاد من يراد استبعاده بحجة المقابلة، وكيف يكون الصلاح فيها لشخص وعدم الصلاح لآخر، هذا كله على مستوى منفعة فردية، قد تكون مؤلمة وقاسية على الفرد الذي يقع حظه السيئ في دائرة من المحسوبيات لا ترحمه ولا تعرف له حقا، حين يكون العامل الأقوى هو العلاقة التي ترتب المنافع بين الناس. ومع خطورة ما سبق من توجيه المقابلات وجهة غير مقبولة لكنها في ضررها وخطرها تقع في محيط ضيق أيضا، وقد لا تكون مستمرة وليست في كل الحالات، وهذا لا يعني غض الطرف عنها ولو على مضض.
أما غير المقبول والقسوة فهما حين تكون المقابلات في أي حال منها لكشف التوجهات في الضمائر والأفكار والمعتقدات ومعرفة آراء الشخص أو مواقفه الخاصة التي لا يعبر عنها إلا في مكان لا يربطه بالعمل الذي يقابل به، إذا حدث مثل هذا القصد وجعلت المقابلة لكشف أسرار الناس وتوجهاتهم والبحث عما في خفايا نفوسهم، أو كانت سببا في تصنيفهم، فإنها في حالتها هذه تكون جريمة يعاقب عليها القانون، ويعاقب عليها الدين والقيم البشرية كلها، ذلك أن المقاصد العامة والأهداف الكبيرة في المجتمعات تحرص على سلامة المجتمع كله وتفضل البعد عما يسيء إليه، وتعد كل سبب يظهر دخائل المجتمع أو يبحث عنها عملا مجرما مهما كان وعلى أي مقصد يحتال به.
جامعاتنا التي تتذرع بالمقابلات أصبحت حيزا لا يتسع لأبناء الوطن من كل مشاربه واتجاهاته. تلك الجامعات بحججها الواهية ومقابلاتها الموجهة عزلتها عن وظيفتها الوطنية وعزلت نفسها عن مساحة الوطن وأبنائه، وحرمت قطاعا كبيرا من أهله فرص المشاركة في بناء الوحدة الوطنية التي يعول على الجامعات الطبيعية بتقويتها وتأسيس روابطها. الجامعات الحقيقية تكون أبوابا مفتوحة لكل أبناء الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم الجهوية والفكرية. الجامعات الوطنية الحقيقية لا تفتش عما في الصدور والنوايا، وتضع المصدات والحواجز حسب ما تريد أو ما يريد القائمون عليها.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/09/08