كثرة القوانين الضابطة تساعد في النظم العامة، ولكنها لا يمكن أن تساعد في إيجاد إنسان منضبط ولا ترفع من مستوى الضبط الذاتي والأخلاقي، والضبط الذاتي والأخلاقي وظيفة الفرد وإدراك هذه الوظيفة هو إدراك نسبي يختلف من شخص إلى شخص باختلاف الوعي.

الوعي متعلق بمستوى التعليم، ومستوى التعليم لا يمكن أيضا أن يحقق انضباطاً ذاتياً إلا إذا تحوّل إلى معرفة تنهض بالداخل الإنساني أخلاقيا وقيميا، تنعكس بعد ذلك هذه النهضة الداخلية على سلوكه الاجتماعي والفردي واندماجه في مسيرة النهضة والتنمية وخدمة الوطن والمجتمع.
فلا يمكن للعقل الجمعي أن يحقق تنمية، ولا يمكن للعصبيات أن تقدم نهضة وإبداعا، ولا يمكن للدول التي يحركها فقهاء السلطة أن تصبح في عداد الدول المحترمة، لأن من لا يحترم الإنسان ويدرك قيمته لا يمكنه أن ينهض ويتقدم.

فالمال ليس معيارا، بل العلم هو المعيار، وليس إلا علما مقرونا بالأخلاق والحلم والتواضع.

ولا يمكن للعلم أن يحقق نهضة داخلية وخارجية إذا كان هدفا وغاية لتحقيق وجاهات اجتماعية ومواقع وظيفية، فالعلم وسيلة بذاته وليس غاية، وهو وسيلة للنهوض، وليس للتسلط والهيمنة، فلو اقترن العلم مع الجبروت تحوّل لسجن جديد لعقول البشر وطاقاتهم وإبداعاتهم.

منطقتنا تشهد تحولات خطيرة تتطلب منا كشعب أنعم الله تعالى عليه بالأمن والاستقرار والوفرة المادية أن نحمي وطننا بالعلم النافع، وأن نُسكت كل الأصوات الشاذة التي اتخذت من العلم والموقع الوظيفي وسيلة للهدم ولم يحقق العلم فيها إلا جهلاً وتخلفاً.

فليس كل من كان في مقدمة اسمه حرف الدال بات معلما للحضارة والثقافة، بل كثيرا ما ينقل لنا التاريخ أن هؤلاء كانوا السبب في تدمير الثقافات والحضارات، لأن هدفهم من العلم الهيمنة والنفوذ، وهذا يعكس سواد قلب، وانتكاساً نفسياً، سيكون أثره مدمرا على المحيط.

ولا يمكن كشف هؤلاء إلا إذا وظفنا عقولنا وامتلكنا سلاح الوعي والعلم النافع، وامتلكنا قدرة النقد والرقابة، وليس التسليم والانبطاح.

وهذه غالبا وظيفة القواعد الجماهيرية، وما أعتقد ينقصنا الأدوات في تحصيل الوعي وامتلاك القدرة على الرقابة، بل ما ينقصنا حقيقة التخلّص من عصبياتنا وقبليتنا وخروجنا من صندوق البيئة، كي تتحوّل علومنا لمعارف تنهض بواقعنا، وتتسع لكل المواطنين، ولا تكون لأجل تعزيز موقع القبيلة والمذهب والحزب، بل تكون العلوم لتعزيز موقع الكويت والمواطن الكويتي.

إيمان شمس الدين
القبس الكويتية