لن يتغيّر اسم فلسطين إلا إذا تغيّر اسم الجزائر هذه جريمة مركبة و ليست خطأ
إسماعيل القاسمي الحسني ..
سأل أحدهم عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: متى أتكلم؟ فقال: إذا اشتهيت أن تصمت. و بكل صراحة و أمانة، غالبا ما أترفع عاليا جدا، عن تصريحات و بيانات بعض المسؤولين و الوزراء الجزائريين، فقد كفاني همّهم و غمّهم أقلام جزائرية في الصحافة الوطنية؛ و مرد ذلك لحكمة أرسلها عبد الله بن الأهتم حين سمع رجلا يخطئ كلما تكلم، فقال له:” بكلامك رُزق أهلُ الصمتِ المحبة”. و لولا بيان وزارة التربية و التعليم الذي صدر بخصوص تغيير اسم فلسطين إلى اسم “كيان العدو الإسرائيلي”، في الكتاب المدرسي لمادة الجغرافيا، للسنة الأولى من التعليم المتوسط؛ الذي (البيان) عكس جهلا أو فرارا من مواجهة الجريمة المركبة، و اكتفى بمساحيق منتهية الصلاحية، من السخرية توهم قدرتها على إخفاء تجاعيد غائرة، من العبث و المسخرة في التسيير البليد لدى كبار المسؤولين؛ ما كنت لأتعرض لهذا الموضوع هنا و الآن. غير أن ذي الرياستين قال: قد جعل الله السامع شريك القائل مستدلا بقوله سبحانه:”سمّاعون للكذب”. و هنا تحتم علي أن ألفت عناية السلطة الجزائرية لمركبات الجريمة.
لن أزايد بخصوص موضوع فلسطين لدى كل الجزائريين، و ليس لأحد أن يجرؤ على ذلك، أيا كان موقع الجزائري، فضلا عن كون فلسطين ليست موضوعا للمزايدة أصلا. و لذا لن أذهب في قراءة النوايا كما حاول البعض، و لا للتفسيرات الميتافيزيقية بخصوص اختراق الموساد للمنظومة التربوية الجزائرية، و تلكم القراءة البائسة التي اعتبرت الموضوع بالون اختبار من السلطة، مقدمة لدخول الجزائر صف الأنظمة العربية، التي تقف في طابور “البيت العمومي”. (كما يُعرف في المشرق).
لكن أن تحيل وزارة التربية المسؤولية إلى لجنة إعداد الكتاب المدرسي، ثم تخفف قليلا فتنزلها إلى مسؤولية الناشر، فهذا لعمري تسطيح و هروب أحمق و مغفل من مواجهة الواقع؛ و هنا أسجل بداية نقطتين:
الأولى: إن تغيير الخرائط على الورق، بل إن اعتراف كل الأنظمة العربية و كل العالم إن شئتم بتغير الخرائط بناء على واقع مرحلي و ظرف إلى زوال بطبيعته، لن يغير أبدا من كون فلسطين تبقى فلسطين منذ الأزل و إلى الأبد. دليلي في ذلك من حالة الجزائر ذاتها، فقد غيّر الاحتلال الفرنسي الخرائط، و غيّر كذلك عقيدته الفكرية و السياسية و القانونية و الدستورية بخصوص الجزائر، و تكفي مراجعة المادة 109 التي وضعها الاحتلال الفرنسي في دستوره 1848، التي تعتبر “الجزائر جزءا لا يتجزأ من فرنسا”. أين الجزائر اليوم؟ و أين فرنسا و دستورها و مادتها 109؟.
الثانية: هناك أصوات نشاز تنفلت أو تتفلت، تحمل طرحا كريها على أنه من ضمن قواعد السياسة الخارجية الجزائرية، معتبرة أن فلسطين شأن فلسطيني داخلي، و ليس علينا نحن كجزائريين أن نتدخل فيه، و ليس معقولا أن تعترف السلطة الفلسطينية نفسها، بكيان العدو كدولة ذات سيادة شرعية، و نحن في المقابل نكابر و نزايد عليهم؛ على هؤلاء باختصار شديد أن يعوا جيدا، بأن فلسطين ككل شأن إسلامي بالدرجة الأولى و عربي، و سلخ موضوعها من هذا الواقع هو ما أوصل الشعب الفلسطيني لواقع حاله اليوم، و سلّم (هذا الطرح) فلسطين للعدو تحت هذه الذريعة الواهية؛ الأقصى الشريف من المساجد الثلاثة المقدسة، و ما ينسحب عليه قيمة شرعية و تاريخية و عقائدية ينسحب بالضرورة و بطبيعته على الحرمين الشريفين، و هل يعقل لو وضع العدو الإسرائيلي يده و حكمه عليهما، أن نقول: الموضوع سعودي داخلي و لا نزايد عليهم و لا نكابر؟ أي سفيه عقل ينتسب للأمتين يهرف بهذا !!!
و أعود لموضوع وزارة التربية، لا أسأل هنا عن صورة خريطة من النت، تم نسخها بغباء و عمى شديدين و لصقها في كتاب مدرسي، و لا أسأل عن الناشر الذي همه الوحيد مداخيل طبع الكتب دون مراعاة لمحتواها، و إنما الأسئلة الجوهرية و التي يجب أن تطرح على السلطة الجزائرية: ما هي مؤهلات لجنة إعداد الكتاب المدرسي؟ و من عيّنها و على أي أساس؟ و ما هي مؤهلات لجنة القراءة و المراقبة؟ و من عيّنها و على أي أساس؟ ليأتي في الأخير: ما هي مؤهلات الناشر؟ و من اختاره و لما؟.
لقد ثبت في هذه الحالة الخطيرة للغاية، أن هؤلاء جميعا لا يتمتعون بالأهلية العلمية و المهنية و الأخلاقية و الوظيفية، و لا يمكن أن تناط مسؤولية بهذا الحجم من الأهمية، لكائنات رخوية الفكر، تمتاز بالخلايا ذات العصب الواحد، كينونتها منحصرة بين أسفل البطن و الركب؛ ليست هي المسؤولة حتما على الحادثة، و إنما من قام بتكليفها و تعيينها، محاباة و مقابل رشا، و بناء على قواعد المحسوبية القذرة، ذلك أن كل إناء بما فيه يرشح، و لا يمكنني كعاقل أن أُحمِّل ثقل عقيدة و تاريخ و موروث حضاري لمجموعة من الممسوخات البشرية، ترعى في كل كلئ و إن كان بين الدِمن، عمياء البصر و البصيرة، لا همّ لها سوى المرعى و التزاوج البهيمي؛ هذه الكائنات في تقديري مجرد بالوعات مختلفة المقاييس لصرف و نهب المال العام. هذه هي في الأصل و العمق الجريمة المركبة من الأجوبة على هذه الأسئلة.
لا يكفي سحب الكتاب، فقد بادر الشعب الجزائري يوم أمس فور انتباهه لهذه القذارة التي وضعت عن جهل و خيانة للوظيفة، ترتب عنها خيانة شعب و أمة، الى تمزيق الصفحة فورا، و هنا لابد من الاشارة لذلكم المثل: رُبّ ضارة نافعة؛ فقد تلقى كل أبناء الجزائر البارحة درسا شعبيا يبقى راسخا في الوعي الجمعي و يزداد تجذرا، و هو أن فلسطين دولة عربية و إسرائيل كيانا محتلا عدوا غير شرعي.
بل نطالب بالصوت العالي، أن تتم إقالة كل أعضاء لجنة إعداد هذا الكتاب، و كل أعضاء لجنة قراءته و مراجعته، و إحالتهم جميعا للعدالة ليس لهذه الجريمة فقط، بل لكونهم لم يقوموا بعمل تقاضوا عليه أجورا من مال الشعب، عليهم أن يبرروا شرعية تقاضيهم هذه الأموال الطائلة، فضلا عن ذلك فسخ العقد مع الناشر الذي لا همّ له سوى اختطاف الصفقات و لو على حساب عقيدة شعب.
إذا قامت السلطة بهذه الإجراءات يمكننا حينئذ اعتبارها قد تحملت المسؤولية بالفعل، أما الاقتصار على ما ورد في البيان، سيكون قرينة أخرى تراكم الشك أكثر في المراد و أهداف هذه الجريمة الحقيرة؛ و في هذا المقام نقول للسلطة بالصوت المدوي: و إن تغيّر وجهه الأرض كله، لن يتغيّر اسم فلسطين إلا إذا تغيّر اسم الجزائر، و قد قيل: كفى بالدهر مخبرا بما مضى عما بقى……….نقطة على السطر.
صحيفة رأي اليوم
أضيف بتاريخ :2016/09/17