فتِّش عن إسرائيل في معظمِ دعواتِ الإصلاحِ العربيِّ
شريف قنديل ..
فتِّش عن إسرائيل في معظمِ دعواتِ الإصلاحِ العربيِّ بعدَ أنْ عكفَ 200 خبيرٍ جزائريٍّ على برنامجِ إصلاحِ المناهجِ، تمَّ استبدالُ كلمةِ «فلسطين»، ووضعُ كلمةِ «إسرائيل» في خريطةِ سنة أُولى متوسط!
وكمَا هُو متوقَّعٌ في جزائرِ الثورةِ والنضالِ، قامتِ الدُّنيَا، وبدأتْ وزارةُ التعليمِ في إجراءِ تحقيقٍ شاملٍ مع لجنةِ إصلاحِ المناهجِ.
قريبٌ مِن ذلكَ.. تكرَّرَ الأمرُ في بلدانٍ عربيَّةٍ عديدةٍ، ومَا هرطقاتُ الأقصى ببعيدةٍ.
هذَا هُو الأصلُ، بلْ الهدفُ غيرُ المعلنِ من برامجِ الإصلاحِ في معظمِ الأحيانِ.. سواء علَى مستوَى المناهجِ المتَّهمةِ بالداعشيَّةِ، أوْ علَى مستوَى تنقيةِ الأحاديثِ الصحيحةِ المتَّهمةِ بالدعوةِ للإرهابِ! أوْ علَى مستوَى تنقيةِ السيرةِ كلِّهَا، بلْ ونصوصِ القرآنِ.
وفرقٌ كبيرٌ بينَ الدعوةِ لإصلاحِ المناهجِ، بحيثُ تكونُ محفِّزةً للإبداعِ والابتكارِ، وبناءِ أجيالٍ تواكبُ مستجداتِ العصرِ؛ وبينَ أخرَى كلُّ مَا يهمُّ القائمينَ عليهَا هُو إفساحُ المجالِ لتوغُّلِ إسرائيل، ليسَ فقطْ في المناهجِ العربيَّةِ، وإنَّمَا في العواصمِ، بلْ البيوتِ العربيَّةِ.
ولأنَّ ذلكَ كذلكَ؛ ينبغِي الاهتمامُ، بلْ الإحساسُ بالحذرِ، وبالخطرِ مِن كلِّ الدعاوَى الباطلةِ المتسربلةِ بإسرائيل، والمتسلِّلةِ للعقولِ العربيَّةِ بدعوَى الإصلاحِ.
لقدْ اكتشفَ بعضُهم فجأةً أنَّ مناهجَنَا إرهابيَّةٌ، وشريعتَنَا إرهابيَّةٌ، وسياساتِنَا إرهابيَّةٌ. بلْ إنَّهم يستمزجُونَ الإساءةَ لكلِّ القِيَمِ العربيَّةِ باعتبارِنَا شعوبًا بلاَ قِيَمٍ!
كمَا اكتشفَ آخرُونَ منهُم أنَّ تراثَنَا يُهدِّدُ البشريَّةَ كلَّهَا، وكأنَّ أسلافَنَا وضعُوه قبلَ 11 سبتمبر بأيامٍ، وقبلَ كلِّ حوادثِ الإرهابِ في العالمِ بساعاتٍ.
لقدْ أخذتْ اكتشافاتُهم تتوالَى بسرعةِ الصواريخِ التِي تضربُ في مدنِنَا العربيَّةِ، وفِي كلِّ صباحٍ تنزلُ الاكتشافاتُ كالصواعقِ والحممِ، لتُؤكِّدَ للعالمِ أنَّنا أُمَّةٌ إرهابيَّةٌ ذاتُ تراثٍ إرهابيٍّ، وحضارةٍ إرهابيَّةٍ، وشعوبٍ إرهابيَّةٍ.
لقدْ ضاقت الفوارقُ بينَ المقالاتِ العربيَّةِ، والمقالاتِ اليمينيَّةِ في إسرائيل، وفرنسا، وأنحاءِ أوروبَا.. كمَا ضاقت الفوارقُ بينَ الحواراتِ العربيَّةِ، بحيثُ لمْ نعدْ نتعرَّفْ علَى المتحدِّثِ إلاَّ بعدَ مشاهدةِ صورتِهِ، أو طلتِهِ البهيَّةِ.
قلتُ ذاتَ مرَّةٍ: إنَّهم ترامبيُّونَ أكثر مِن ترامب نفسِهِ.. ولأنَّهم كذلكَ، فلاَ مانعَ من الترويجِ لأفكارٍ تُصادمُ العقلَ العربيَّ، ولأطروحاتٍ تنافِي القِيَمَ العربيَّةَ، ولنظرياتٍ تلغِي الهويَّةَ، بل الشخصيَّةَ العربيَّةَ.
الفرقُ بينَهم وبينَ ترامب أنَّ الأخيرَ كانَ يدعُو لطردِ العربِ مِن بلادِهِ، فيمَا يطلبُ هؤلاء طردَ العربِ من بلادِ العربِ!
والحقُّ أنَّهم سجَّلوا نجاحاتٍ في هذهِ المهمَّةِ المريبةِ؛ بحيثُ أصبحَ بيننَا مَن يتحدَّثُونَ عن «حلب»، وكأنَّها مدينةٌ تستحقُّ الذبحَ، وعن «الفلوجة» التي تستحقُّ الحرقَ، وعن «صنعاء» التي تستحقُّ الشنقَ، وعن «القدس» التِي تستحقُّ المحوَ!
إنَّهم يسعُونَ لمحوِ كلِّ شيءٍ يُشعرُنَا بعروبتِنَا ثمَّ بإسلامِنَا؛ فإنْ تجرَّأتَ على الرفضِ فأنتَ داعشيٌّ إرهابيٌّ، أو همجيٌّ مُتخلِّفٌ!
لقدْ بلغَ من قسوتِهم وجبروتِهم أنَّهم ينتهزُونَ كلَّ الفرصِ للترويجِ لأهميَّةِ التسليمِ بالأمرِ الواقعِ.. والأمرُ الواقعُ عندَهم أنَّ المستقبلَ كلَّه مع إسرائيل، وفي كنفِ إسرائيل.
إنَّهم سفراءُ إسرائيل من سعاةِ التضليلِ، وترويجِ الأباطيلِ، والتشكيكِ في التراثِ، ثمَّ في السُّنَّةِ المطهرةِ، ثمَّ في محكمِ التنزيلِ..
إنَّ أحدًا لا يستطيعُ، بلْ لا يريدُ، إلقاءَ إسرائيل في البحرِ؛ لكنَّ أحدًا عربيًّا مخلصًا لا يقبلُ، ولنْ يقبلَ أنْ تتحكَّمَ إسرائيل في كلِّ البيوتِ العربيَّةِ من البحرِ إلى النهرِ.
السؤالُ الآنَ: هلْ ستنتهِي مسرحيَّةُ داعش المُعطِّلةُ لكلِّ نجاحٍ عربيٍّ في سوريَا، أو العراقِ، أو حتَّى في ليبيَا قبلَ التطبيعِ الكاملِ والشاملِ مع إسرائيل، أمْ أنَّها ستظلُّ قائمةً حتَّى ترفرفُ نجمةُ داوودَ في بقيَّةِ العواصمِ العربيَّةِ؟!
اسألُوا الترامبيّينَ العربَ من دعاةِ الإصلاحِ العربيِّ صوبَ تل أبيب!
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2016/09/17