آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
علي سعد الموسى
عن الكاتب :
- دكتوراه في الأسلوبية والنقد الاجتماعي للغة من جامعة أسكس. - بكالوريوس في الآداب من جامعة الملك سعود بأبها. - ماجستير في اللغويات النظرية من جامعة كلورادو.

أنا وخلدون والمدرسة: نفس الحمار والأسفار


علي سعد الموسى ..

صباح اليوم سيذهب (خمس) أولادنا من الطلاب إلى المدرسة وفي أفضل الأرقام تفاؤلا سيرتفع هذا الخمس إلى (الربع). وحتى بالنسبة لي ككاتب مقال تبدو الكتابة عن (الأحد الحزين) تكرارا مملا لكل ما كتبته فيما سبق عن مثل هذا الصباح منذ 15 سنة. سأعيد تكرار نفس الجملة التاريخية من أن (خلدون) الصغير سيذهب (الأربعاء) القادم إلى مدرسته في نسخة طقوس يومية لم تختلف أبدا عما كان عليه أبوه في ذات الفصل والصف قبل 35 سنة. كل شيء تغير في هذا العالم 180 درجة إلا الفصل والمنهج والمدرسة. حتى اسم الوزارة تغير 3 مرات في الفاصل ما بين زمنين، وحتى (شعارها) تغير 5 مرات. حتى درجة حرارة الأرض زادت 3 درجات. قارات الأرض اكتشفت (الأنتاركتيكا) القطبية الجديدة وذهب العالم ليكتشف المياه والحياة على سطح الكواكب. في نفس الفترة التي تفصل ما بين فصلي الدراسي القديم وفصل (خلدون) هذا الأسبوع اكتشفنا النانو والفيمتو، وتم تصنيف ما يقرب من 10 آلاف فيروس ومرض جديد في جسم الإنسان ولا زال خلدون على خطى أبيه يعود من مدرسته في اليوم الأول بمقررات الهجاء والمطالعة وتاريخ حمير وقوم تبع. الفارق ما بيني أيام مدرستي وبين خلدون أسرتنا الصغير أنني كنت أذهب إلى مدرستي على ظهر حمار، أما هو فيذهب إليها بسائق منزلي خاص في سيارة أميركية فارهة. لكن هذه السيارة لا تفرق في شيء عن (الحمار) في حملها لذات الأسفار التي ازدادت 7 مواد مقررة ما بين زمنين.

هل أنا اليوم أكتب نفس مقالي قبل 15 سنة؟ الجواب: نعم. وأيضا نفس عذاباتي قبل 35 سنة. ولكي نهرب من الرتابة والملل سآخذكم لما قرأته في الدورية البريطانية الرصينة السنوية (تنبؤات) وهي تقرأ شكل العالم ومستقبله خلال القرن القادم. وسنبدأ بنبوءتها السياسية عن انقراض الشكل التقليدي للحكومات الذي ساد العالم لألفي سنة، إذ تقول: ستنتهي الديموقراطية الحالية حين تبدأ الشعوب الغربية بالتحديد في اختيار رؤساء وزرائها وأركان مجالسها عبر المنافسة والكفاءة التي ستتيح للياباني، مثلا، أن يذهب لإدارة (الإليزيه) أو ليوناني أن يدير (البيت الأبيض)، تماما كما يحدث في اختيار رئيس شركة. في التعليم تتنبأ الدورية بانقراض فكرة (الفصل والمنهج والمدرسة) تماما، وستصبح بما فيها مجرد متاحف وشواهد على حياة عصر مضى. تماما كما هي الكنائس والكاتدرائيات في قلب المدن الأوروبية. سيصبح الفصل المدرسي جزءا من تصميم العمارة المنزلية مثل الصالون والمطبخ وغرفة النوم تحت ضغط وفضل ثورة الاتصال وتدفق المعلومة التي تقول عنها ذات الدورية إن ما نحمله منها اليوم ونقتنيه من أجهزتها سيصبح موضة قديمة ومتخلفة. بل ومجال تندر ونكتة ترويها أجيال القرن القادم عن جيلنا القديم المتخلف في حفاوته بما لديه من أجهزة.

سأختم بتبؤاتي الخاصة: سيقول أحفاد (خلدون) إن جدنا كان يدرس في الكتاتيب، وللنكتة، كان يستيقظ في الصباح ليذهب إلى الفصل والمدرسة. لكن نبوءتي الأخرى على النقيض أن أحفاد هذا الخلدون لن يبتكروا سوى نسخ جديدة من ذات (الحمير) وذات (الأسفار) التي حملناها سويا لـ50 سنة. زوجتي، مثلا، درست ذات يوم في مطبخ تحول إلى فصل في مدرسة مستأجرة ثم، وللمفارقة، كانت معلمة في ذات الفصل والمدرسة. كلنا ذات الحمار والأسفار.

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/09/18

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد