ظاهرة الفرح بالتصريحات الأميركية الفرنسية!
إن أغرب ظواهر الانحطاط السياسي والحضاري التي يمكن أن يرصدها المراقب، حالة الابتهاج والغبطة التي أظهرها بعض أبناء أمتنا لسماعهم تصريحات المسئولين الأجانب، الذين بشّروا بعدم عودة الشرق الأوسط إلى وضعه السابق!
هذه الفرحة تفترض بأن ما يحدث في بعض البلدان العربية لن يصل لبعضها الآخر، فهي تظنّ نفسها في معزل عن التيارات والعواصف، وفي مأمن من غِيَرِ الدهر وتقلبات الأزمنة.
بعد سقوط النظام العراقي السابق، وفي إحدى القمم العربية، خاطب الرئيس الليبي السابق الحاضرين بأن الدور قادم عليكم، وقوبل كلامه بعاصفةٍ من الضحك والاستهزاء.
كان ذلك قبل أعوام معدودة من أحداث «الربيع العربي»، الذي فاجأ الشرق والغرب، حين نزل ملايين العرب إلى الشوارع والميادين، منادين بالحرية واستعادة الكرامة والحق بالعيش الكريم. وبقية القصة يعرفها الجميع، حيث تم إجهاض هذه الآمال الشبابية الكبيرة، وانتكس الوضع العربي برمته إلى مزيدٍ من الاستبداد والتفرّد بالقرار، والاستئثار بالثروة، وتزييف إرادة الشعوب، وإقصاء الآخرين وتغييبهم عن الحياة بطريقةٍ قمعيةٍ مفرطة.
الآن باتت مشاريع التقسيم الأجنبية واضحة المعالم للجميع، وما كان يتم الحديث عنه سراً كمخططاتٍ تضعها مراكز الدراسات والأبحاث في دول المركز، أصبحت مشاريع تُنفّذ على الأرض في دول الأطراف، لها دعاتها وأجهزتها وأنصارها وقاعدتها الشعبية الحاضنة، وكذلك قواها الضاربة ومسلّحوها الذين يفرضون بالقوة على الأرض التي قضموها، ممارسات وإجراءات ومناهج لا تمت إلى الدين أو العدل أو المنطق أو العصر الحديث.
هذه التنظيمات التي هلل لها البعض في بداية بروزها في سورية والعراق، تعصباً وشماتةً بالآخرين، سرعان ما نشرت خارطتها للشرق الأوسط الجديد الذي تحلم به، وقطّعت الأوطان الحالية إلى ولايات وإيالات، ونصبت على كل واحدةٍ منها والياً أو أميراً. وهي لم تعد تخفي توجهاتها، ولا مخططاتها، ولا أفعالها، بل تتباهى بما تقوم به من عمليات قتل وحشي وتهجير وسبي واستباحة للحرمات والدماء.
لقد تكشّفت مواقفنا عن نزعةٍ ثأريةٍ، وروحِ انتقام وشماتة بمن يفترض أنهم «إخوة» وجيران، ونسينا أن مثل هذه التنظيمات الإرهابية ذات القاعدة الفكرية التكفيرية، لها تطلعات أكبر وأخطر، وخصوصاً أن لها تواجداً في دول أخرى، من ليبيا وتونس غرباً، إلى اليمن والصومال جنوباً. وهي لن تكتفي بالأرض المحروقة الآن في سورية والعراق، حيث أعلنت عن توزيع ولاياتها جغرافياً، دون ستر أو حجاب.
إننا دولٌ هشّة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، سهلة الاختراق، قابلة للتطويع. لم نحصن بلداننا بمزيد من العدل والمساواة والديمقراطية الحقيقية وحكم القانون على الجميع، دون عنصرية أو تمييز. ولذلك يصبح من السهل جداً اختراق عقلها الجمعي، وتحريك مجاميع كبيرة من شبابها، للقتال في هذا البلد أو ذاك، تنفيذاً للأجندات الخفية المتنافسة في لعبة الأمم، تحت اسم «النصرة» أو «الجهاد». ويكون ذلك كله على حساب مصالحنا القومية ووحدتنا الإسلامية، حيث لم تزد الحروب بلداننا إلا تشرذماً وتراجعاً وضعفاً.
لقد تفجّرت تحت أقدامنا على غير ميعاد، أكبر ثروة حظيت بها أمة على وجه الأرض، وكان البترول أعظم نعمة نزلت علينا من السماء، فماذا كانت النتيجة؟ هل وظّفناها في التنمية ومحو الأمية ومعالجة الفقر، أم في الاقتتال الداخلي ومشاريع الحروب التي لا تنطفئ إحداها في منطقتنا إلا لتُشعل نار أخرى.
لن نجد اليوم أمةً على وجه الأرض غيرنا، تطرب فرحاً وهي تشاهد مشاريع تمزيقها وتقطيع أوصالها كما يفعل بالذبائح والحملان!
الكاتب: قاسم حسين .
المقال لصالح صحيفة الوسط البحرينية.
أضيف بتاريخ :2015/11/02