شارلوت الأميركية وسياسة الاضطهاد العميقة

قاسم حسين ..
انتهى الأسبوع الماضي على خبر إعلان حالة الطوارئ في مدينة شارلوت الأميركية، واتساع أعمال الاحتجاج على مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية برصاص رجال الشرطة.
الشرطة قالت بأن كيث لامونت سكوت كان يحمل سلاحاً، بينما شكّكت عائلة الضحية بهذه الرواية، وقالت إنه كان يحمل كتاباً وينتظر وصول ابنه من المدرسة. وزادت شكوكها حين رفضت الشرطة عرض شريط الفيديو الذي يظهر تفاصيل الحادث. وحين احتشد المحتجون وسط المدينة أطلقت عليهم الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع، فتفجّرت المواجهات بين الطرفين، وحطم المتظاهرون نوافذ أحد الفنادق، وأضرموا النار في مبانٍٍ مجاورة، وأغلقوا الطرق الرئيسة في المدينة.
هذا السيناريو تكرّر بحذافيره في العامين الأخيرين، حيث كانت تتفجر الأحداث في عدة مدن أميركية للسبب ذاته: الشعور العميق بالاستهداف العنصري الممنهج ضد السود. لكن هذه المرة أعلن عن إطلاق السود النار في المواجهات. وقد أعلنت حالة الطواريء مساء الخميس، واستعان حاكم الولاية بقوات الحرس الوطني للسيطرة على الوضع في المدينة.
الولايات المتحدة بلدٌ ظلّ طويلاً يفخر بديمقراطيته وتركيبته التعددية التي زادته تنوعاً وغنى. كما كان يفخر بتجاوز عقده التاريخية، وتخلّصه من إرثه العنصري واضطهاده للأقليات والسود خلال القرون الماضية. وكان انتخاب باراك أوباما، علامةً فاصلةً على تجاوز ذلك التاريخ المقيت، حيث أرادت أميركا أن تثبت للعالم ولنفسها، أنها تشافت نهائياً من مرضها القديم. إلا أن انفجار الوضع العرقي بهذه الوتيرة المتكررة، يثبت أن جرائم الاضطهاد السياسي والعرقي والطائفي، لا تتخلّص منها ذاكرة الشعوب وإنما تبقى جمراً في الصدور، سواءً ذلك الجانب الذي لعب دور الضحية أو الجلاد. فكلاهما يختزن هذه التجارب المريرة، ليقذف بحممها على السطح، كلما عنّ حادثٌ أو وقعت حادثة.
الإنسان لا ينسى، وهذا ما يثبته التاريخ، سواءً كان في موقع الضحية أو الجلاد. فمن مارس دور الاستعلاء على الآخرين واستعبادهم وتسخيرهم، والتمتع بالمنافع العامة على حسابهم، يصعب عليه أن يتخلّى عن امتيازاته وتعاليه. وهي حقيقة نفسية عميقة، أشار إليها فيلم «الرسالة» في حديث بين أحد عتاة قريش وبين أحد المسلمين: «هل تريد أن تساويني –أنا السيد- بعبدي بلال (الحبشي)». فكيف يقبل لورد أو مالك أراضٍ وصاحب شركات نفط عملاقة، بمساواته بأحفاد من كانوا يعملون أقناناً في مزارع جده الرابع؟ فهذا ما تأباه طبيعة البشر الأشرار.
وبالمثل، الإنسان الذي تعرّض للاضطهاد لا ينسى أيضاً، فليس هناك ما هو أصعب على النفس البشرية من التعرّض للظلم والمهانة والتحقير المتعمد لشخصه أو أصله أو معتقده، والحط من كرامته، فضلاً عن الاستغلال الاقتصادي والجسدي، والفصل من العمل والحرمان من الرزق. فيكفي أن تكون من لونٍ أو عرقٍ أو طائفةٍ أو جنس معين، حتى تكون ضحيةً تلقائياً لحملات التشكيك والاضطهاد وسلب الحقوق حتى الأساسية منها، المتفق عليها بين البشر المتحضرين.
إنه الدرس الكبير الذي تقدّمه أكبر وأقوى وأغنى دولة ديمقراطية ليبرالية في العالم: أن العنصرية داءٌ عضال، وتعالي جنس على جنس، أو فئة سكانية على فئة أخرى، خطيئةٌ سياسيةٌ وجريمةٌ أخلاقيةٌ كبرى، ليس على مستوى الحاضر، بل تنقل جراثيمها إلى المستقبل، حيث تعيش كامنةً تتربص في الظلام، فإذا ما أتيحت فرصة أطلت برأسها لتدمّر وتنشر الخراب.
شارلوت الأميركية تقول للعالم: العنصرية والتمييز والاضطهاد هي أكبر بذور للشر في العالم، تنشرها السياسات المضطربة لتحصد العاصفة.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/09/25