لماذا أخفقت سوق المال في تحمل قُدرَة الصدمات وامتصاصها؟
خالد بن عبدالعزيز العتيبي ..
الأوضاع المتردية التي آلت إليها سوق الأسهم السعودية في الأسبوع المنصرم لم تكن لتتردى بهذا الحجم من السوء فيما لو كان هناك تشريعات قوية تحفظ لها استقرارها وتوازنها وابتعادها عن الهزات العنيفة والمتصاعدة.
من الحقائق التي لابد أن تُعرَف عن أي سوق مالية ذات وضع منتظم وذات استقرار؛ هو أنها يجب ألا تخلو من وجود صناع فعليين وحقيقيين لها، ولذا نجدها عبر عقود مضت لم تتعرض لما تعرضت له السوق السعودية من انهيارات وتقلبات مستمرة؛ لأن هذا النوع من تلك الأسواق لم تتضح هشاشته حين تم إبعاد تحكم ذعر الأفراد وسيطرتهم عليه.
الرهان على تفاقم أوضاع السوق المالية واتجاهها نحو مزيد من السوء خلال المراحل المقبلة ما يزال قائماً في ظل غياب تشريع واضح يعزز من قدرة السوق على تحمل الصدمات وامتصاصها على النحو الصحيح، وهذا لن يأتي إلا بوجود تشريع يسمح بإنشاء صانع حقيقي للسوق بضوابط وتنظيمات تتناسب مع سوق تؤول فيها النسبة الأكبر من التعاملات اليومية إلى سيطرة المتعاملين الأفراد.
الثقة والتعاطي في التعاملات في أسواق المال تأتي من وجود التنظيمات التي تسمح بلجم سيطرة الأفراد على التعاملات وتحكمهم في مسار الأسعار، وتلك التشريعات رأيناها تتمثل في وجود صناع للسوق بصورة رسمية، ويعاضد الصناع البناء المؤسسي القوي للمؤسسات المالية التي توثق حقيقة تفاعل الأسواق المالية مع المؤثرات والتغيرات الاقتصادية، وتوجد مناخاً جيداً تزداد في الثقة التي تمثل فيه أعمدة التوازن لها.
مطالبتي بوجود صانع للسوق ليست عاطفية بسبب النزيف الذي تشهده أسعار الأسهم هذه الأيام، ولم تأتِ بعد أن تراجع كثير منها إلى ما دون القيمة الإسمية ومادون القيمة الدفترية وأصبحت المكررات التي تقف عليها الأسعار فضيحة ماثلة أمام المستثمرين، وأمام من يتعامل مع معايير الاستثمار الصحيحة في أسواق المال ومع المبادئ والإستراتيجيات الاستثمارية.
إنما مطالبتي تمت في وقت مضى وعبر مقالات عدة، وكان آخرها في عدد هذه الصحيفة الرصينة والواسعة القراءة والتأثير بالعدد رقم17590 وتاريخ 28/8/2016، فمن شدة أهمية موضوع إنشاء صانع السوق الذي تطرقت إليه، فقد حولته من (مطالبة) إلى (مناشدة) لرئيس هيئة السوق المالية، وناشدته تحديداً بأن يعمل لإيجاد صانع للسوق يرسخ من مفهوم التوازن بين العرض والطلب، وبالتالي يعطي هذا الصانع الاستقرار لأسهم الشركات المدرجة ذات التأثير على المؤشر العام للأسعار بما يستوعب معه من حالات الضغوط البيعية في أوقات التشاؤم أوفي حتى في أوقات التفاؤل وعند ارتفاع حدة الشراء، وأبديت فيه أنه على الهيئة أن تتجاهل توصيات أي مستشارين منفصلين عن واقع السوق المالية ولا يولون لهذا الجانب وزناً وأهمية.
أكرر المناشدة بأن الحاجة مازالت ملحة لإنشاء صانع السوق.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/09/30