لماذا الإصرار على الأول من محرم
علي سعد الموسى ..
ومن الجملة الأولى في هذا المقال، سأرفع طلباً حاراً إلى كل وزير وصاحب سعادة وإلى كل مسؤول: لا تجعلوا من اليوم الأول للعام الهجري الجديد بعبعاً مخيفاً في ذاكرة كل مواطن، ولا تخلقوا من هذا اليوم ديناصوراً نغلق في وجهه أبواب وشبابيك حياتنا اليومية في وجه كل التفاصيل. هذا الوطن الغالي، أكبر وأروع وأجمل من كل رواتبنا وبدلاتنا وسنفديه بأرواحنا ودمائنا وسنرفعه فوق رؤوسنا التي عاشت فيه عزيزة مرفوعة. وبجملة محب غيور حمل وطنه، ووطنه وحده، إلى كل فجاج الأرض سأقول: لا تسرقوا هذا الوطن العملاق من أحداق أهله وشبابه دفعة واحدة في فجر هذا اليوم، وكأن الله لم يخلق لولادة الأنظمة من أيام العام إلا هذا اليوم. أجيبوني: كيف سيتحمل مواطن رزقه الله بخمسة مراهقين بعبع القسيمة المنتظرة لأي منهم بستة آلاف ريال لقطع الإشارة؟ طفت مدن الأرض وبلدانها فلم أسمع بمثل هذا الرقم الخرافي، ولست أبداً ضد النظام والقانون ولكنني مع الحق والعدل: هذه القسيمة وحدها أعلى من الراتب الشهري لنصف شباب المملكة مثلما هي ثلاثة أضعاف مكافأة أكثر من مليون شاب على حافز، وسبعة أضعاف قيمة المكافأة الشهرية لمليون طالب وطالبة في الجامعة. سأطلب من معالي وزير الاتصالات أن يخرج إلى شعبنا الكريم: لماذا وقفت الوزارة في طابور شركات الاتصالات ضد المواطن مساء ما قبل البارحة مع قرارات تعسفية طالت تغيير رسوم الخدمات وطرق تفعيلها إلى الحد الذي لم تستمع فيه الوزارة إلى أصوات ملايين المواطنين الذين أصبحوا معها أرخص من هيبة ثلاث شركات؟ لماذا صمتت الوزارة الموقرة عن الحقيقة الحسابية التي تقول إن العائلة السعودية وفي أدنى حجم من زوجين وثلاثة أطفال ستدفع في المعدل 500 ريال جديدة إضافية إلى حساب هذه الشركات شهرياً، وكل هذا بدءاً من غرة شهر الله المحرم؟ لماذا أيضاً، لم تختر إدارة الجوازات الموقرة يوماً آخر من أيام الله المديدة الواسعة لمضاعفة رسوم التأشيرة، ولماذا الإصرار الشديد على أن ننظر بالريبة والتشاؤم للأول من عام الهجرة، وفي الشهر المحرم، بدلالة التاريخ واللغة؟ ولأن المساحة هنا لا تتسع لبقية الأمثلة فسأكتب بوضوح أنني كمواطن شارد بسيط ألمس في حياتي وللمرة الأولى أن "الإشاعة" تبدأ في الصباح ثم تتحول إلى "قرار" في المساء. يبدؤها مواطن على كوب الشاي في "صامطة" ثم تتحول بسرعة ضوء الشمس إلى "فرمان" بدهاليز الوزارة في سباق محموم على الأول من محرم. كل مواطن بيننا لديه هذا الإحساس مع كل الرسوم والخدمات حتى بات هذا المواطن يرتاب حتى من "الإشاعة". يتمنى لو أنها عود من كبريت ملتهب بين أصابعه ليطفئها بنفخة هواء قبل أن يشاهدها أصحاب المعالي والسعادة ثم يحولونها إلى مشروع قرار. ولكل هؤلاء سأقول: سنقبل كل قرار جوهري من قيادتنا العليا لأننا شعب يملؤه الإيمان بأنهم أعلم ببواطن الأمور، وتغشاه الثقة المطلقة بأنهم سيعبرون بنا إلى بر الأمان مثلما فعلوا من قبل في تاريخنا مع الأزمات الطارئة. لكننا نطلب من مسؤولي الغرف الثانوية أن يتوقفوا عن هذه السهام الهامشية الطائشة في رسوم غرامة سير أو تأشيرة أو جوال أو ماء أو طريق لأنها ومن حيث لا تعلمون تفاصيل حياتنا اليومية وأحمالها علينا أثقل بأضعاف من بدل أو علاوة شهرية. أعطونا الفرصة وفسحة الوقت كي نتكيف ونعيد جدولة مصاريفنا وبناء ميزانية عوائلنا. نتعهد لكم وأمامكم أننا سندفع ما شئتم ولكن لا تحرجونا بمضيق اليوم الأول من شهر الله المحرم. افتحوا التقويم على الطرف الأيسر من مكاتبكم ففيه سفر ضخم من بقية أيام الله. به التاسع من ربيع والرابع من رجب والأول من نيسان (والتاسع والعشرون) من فبراير.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/10/03