المعلم على طاولة لجنة وظائف التعليم
علي سعد الموسى ..
في شهر الهواجس الذي صادف مطلعه اليوم العالمي للمعلم، يبدو من الواضح أننا أضفنا إلى هذه الشريحة الغالية هاجساً جديداً يكمن في قلق الانتظار والترقب لما ستكتبه توصيات اللجنة المكلفة بإعادة دراسة وضع الوظائف التعليمية بما يضمن "الجودة وترشيد الإنفاق". ما بين القوسين السابقين إشارة واضحة وصريحة لقراءة القرار القادم حتى قبل أن تكتب هذه اللجنة أول رأس قلم على بياض ورقة. ومن قول العقل والمنطق بمكان أن نكتب لهذه اللجنة هواجسنا نحن كمجتمع من حول هذا "المعلم" حتى قبل هواجسه وقلقه: هذه الشريحة الواسعة جداً هي قاع الطبقة الوسطى وقاعدتها الأساسية وأي قرار سيمس أو يلامس هذه القاعدة سيفضي حتماً إلى الإخلال بمتانة الطبقة الوسطى التي تعمل كل التشريعات القانونية والاقتصادية في كل الدول على تعزيزها وتوسيع دائرتها، وبالطبع على حساب الطبقتين الأعلى والأدنى لهذه الطبقة. شريحة المعلمين، ومن الجنسين، هم المحرك الاقتصادي الأقوى للسوق وهم أيضاً ماكينة الاستهلاك الجبارة وهم القوة الشرائية الأبرز من بين كل الشرائح الاجتماعية. ما هو التخطيط وماذا يعني الاقتصاد إذا ما تم تقليم أظافر هذا المكون الثلاثي في تحالف "السوق والاستهلاك والقوة الشرائية"؟ هو بالضبط ذلك التحالف الثلاثي الذي تتنافس على التبشير به أي قوة انتخابية وكل أجندة حزبية من أجل تعزيز الطبقة الوسطى بوصفها الهيكل المجتمعي والجسد الأساس وكل ما عداه مجرد ريش وأنياب وأظافر. ويؤسفني جداً أننا نستقبل مصطلح "الترشيد" بالدعوة الخطيرة إلى كبح وتحجيم "ثقافة الاستهلاك" وكأنها الخطر على قوام الاقتصاد الوطني بينما هي "الإكسير" الذي تبنى عليه كل أفكار الاقتصاد وتسعى لتنميته. هذه دعوة لتحويل أسواقنا إلى مجرد حدائق مرصوفة مظللة وقد شاهدت نماذج لمثل هذه الأسواق في بلدان شتى وفيها يجاهد "السوق" لمجرد تغطية فواتيره والتزاماته الخاصة المختلفة. أهم المؤشرات الشهرية في الغرب الأوروبي والولايات المتحدة ليس إلا "مؤشر الاستهلاك" الذي يسبق مؤشرات البطالة ونسب التوظيف وفوائض مخزون الطاقة. هنا يبرز السؤال: هل ستضع هذه اللجنة الموقرة هذه الحسابات القاتلة لمستقبل السوق وروح الاقتصاد الوطني عندما تشرع في اجتماعاتها الطويلة لدراسة أوضاع الوظائف التعليمية؟ هل ستدرك هذه اللجنة الموقرة أن السواد الأغلب من شريحة المعلمين "قاعدة الطبقة الوسطى" مجرد ناقل موجب لدخلهم الشهري ما بين القطاعين الاقتصاديين تماماً مثلما تفعل أشباه الموصلات في القواعد الفيزيائية؟ هل ستستمع اللجنة الموقرة إلى هذه الحقائق أم أنها ستنحاز إلى مصطلح الترشيد الذي سيقرأ على أسواقنا دعاء الرحمة إذا ما تم استهداف هذه الشريحة والطبقة؟ وبالطبع قد يقول أحدكم: ينطبق على المعلم ما ينطبق على غيره ولكن سأقول بكل وضوح: أنا لا أكتب اليوم انحيازاً للمعلم، وإن كان يستحق، بقدر ما أكتب قلقي وخوفي على جوهر ومتن الطبقة الوسطى في الاقتصاد الوطني قبل أن يقضم من أطرافها قرار بالغ التكلفة. وحتى لو ضحى الآخرون بدفع الثمن سيبقى من العقل والمنطق بمكان أن نبقي على هذه الشريحة مهما كانت التكلفة لكل الأسباب التي ذكرتها بعاليه وأيضاً للاختصار في السبب الجوهري: لأننا قد نحتاجها حية مزدهرة للقادم من الزمن.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/10/08