آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مأمون كيوان
عن الكاتب :
باحث سوري في الشؤون الإسرائيلية

الكابيتول الزجاجي قابل للكسر


مأمون كيوان ..

كيف يمكن مساءلة كيانات ودول عن أفعال إرهابية ارتكبها أفراد لا يرتبطون وظيفيا أو مهنيا بالدولة التي ينتمون إليها، بل ربما كانوا مطلوبين لدى دولهم بتهم تتعلق بأنشطة التطرف والإرهاب

أقر الكونجرس الأميركي بمجلسيه: الشيوخ والنواب قانونا يدعى قانون "العدالة ضد رعاة الإرهاب" (JASTA)، غير عابئ بـ"فيتو" الرئيس أوباما.

لكن القانون إذا لم يكن رديفا للعدالة فهو "سخرية" حسب دينيس لويد مؤلّف الكتاب الشهير "فكرة القانون".

وعلى نحو خاص، وتجاه قانون "جاستا"، ثمة ضرورة لتحديد كُنه العدالة ومعناها الذي لا ينبغي أن يقتصر على حق أقارب ضحايا الأعمال الإرهابية بالحصول على تعويضات مالية من الدول التي يُعتقد أنها تمول الإرهاب، ويحمل جنسياتها بعض الإرهابيين.

وإذا كانت العدالة عمياء، بمعنى أنها لا تميز بين الأفراد والمؤسسات والدول بموجب قانون دولي إنساني تسري أحكام محاكمه الدولية على جميع الدول وتقتص منها، فإن جميع مستخدمي الإرهاب بكل أشكاله وأنواعه، أي الأفراد والمؤسسات والدول، ورعاته المباشرين والمستترين، ينبغي أن يخضعوا للمساءلة.

لكن اللافت أن قانون JASTA تشريع نافذ يدشّن تحولا قانونيا دوليا هائلا، ولربما يمثل تاريخا فاصلا بين حقبتين. إذ لا يحق لأي دولة السلطة استخدام تأويلاتها الخاصة والتصرف وفق قوانينها متجاهلة القانون الدولي.

والأهم والأخطر، إمكان مساءلة كيانات ودول عن أفعال إرهابية ارتكبها أفراد لا يرتبطون وظيفيا أو مهنيا بالدولة التي ينتمون إليها، بل ربما كانوا مطلوبين لدى دولهم بتهم تتعلق بأنشطة التطرف والإرهاب، وهكذا يصبح مجرد انتماء إرهابي إلى دولة معينة أساسا قانونيا لافتراض مسؤولية الدولة!

الكونجرس الذي أصر على إقرار القانون، يعلم يقينا بإمكان إصدار دول أخرى قوانين مماثلة قابلة للتطبيق على أميركا نفسها، للمبررات نفسها وللمنطق نفسه.

فثمة إشكالية في حالة الولايات المتحدة الأميركية التي تعرضت وتتعرض سياساتها لانتقادات الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء، ناهيك عن انتقادات من الداخل الأميركي التي عبر عنها كلايدبريتسوويتز مؤلف كتاب "أمة مارقة الأحادية الأميركية وفشل النوايا الحسنة"، والذي لا يعرض للأوضاع الاقتصادية والسياسية والدولية والثقافية فقط، لكنه يدعم ما يقول بإحصاءات موثقة وباقتباسات ثابتة المرجعية. ويقول إن التاريخ الأميركي حافل بالحروب منذ توقيع الدستور عام 1789 وحتى الآن، إذ نادرا ما مر عام لم ترتبط فيه الولايات المتحدة بعملية عسكرية عبر البحار، حتى إنها بلغت 235 عملية غير الحرب الأميركية ضد الهنود الحمر.

وفي السياق نفسه، جاء كتاب "الدولة المارقة.. دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم"، والذي ألفه ويليام بلوم عام 2002، بمثابة محاكمة للسياسة الأميركية في لحظة استثنائية، وهي حدث 11 سبتمبر، والذي فجر السؤال: لماذا يكرهوننا؟، ومن خلاله عرض المؤلف قائمة طويلة من الأعمال المأساوية التي ارتكبتها أميركا، وبشكل خاص في الشرق الأوسط، وأودت بحياة كثيرين، ناهيك عن المعونات العسكرية لإسرائيل.

ومثل النقد الخارجي للسياسات الأميركية الكاتب الكبير جاك دريدا. عندما نشر مقالا في صحيفة "لوموند ديبلوماتيك"، كانون الثاني 2003، أشار فيه إلى أن السياسات والخطابات الأميركية ركزت على أن الولايات المتحدة راعية القانون الدولي، وهو ما يمنحها ممارسة دور الشرطي أو وظيفته في نشر الأمن الموكول إليها، وهنا الولايات المتحدة باعتبارها تملك القوة كي تفعل، لكن هذه الولايات المتحدة بما هي ذات سيادة -وهو يقصد على ما يبدو السيادة الحقيقية لهذه الدولة العظمى بعد أن فقدت أو تأثرت السيادة في دول العالم على إثر ظهور نظام القطب الواحد الذي تمثله أميركا- فإن التعسف في استخدام السلطة صار "عنصرا مكونا من عناصر السيادة" بالنسبة لها، وبالتالي فإن السيادة تبرر لها المروق، لكن المروق هنا هو خرق القانون الدولي.

وقد أشار دريدا إلى صورة من صور التعسف الذي تمارسه الولايات المتحدة، تتمثل في احتكارها مبدأ تحديد مصالحها الحيوية بطريقة مّا، يراه الأميركيون بأنه "سبب كاف ووجيه بشن هجوم أو زعزعة استقرار أو تدمير أي دولة تنتهج سياسة متعارضة مع هذه المصلحة"، ويصف دريدا هذا النهج بالتفرد السياسي أو الاستئثار السيادي.

وقد تتبع المفكر الأميركي وعالم اللسانيات المشهور نعوم تشومسكي في كتابه "الدول المارقة"، التاريخ الأميركي في انتهاك المواثيق الدولية والشرعية السياسية ورعاية الإرهاب.

ولعل رعاية وتمويل الولايات المتحدة الأميركية للإرهاب الإسرائيلي يضعها ومشرعي قانون JASTA في "الكابيتول" في مأزق كبير، فحالهم يشبه من كان بيته من زجاج، لكنه يأبى إلا أن يقذف الناس بالحجارة.  

صحيفة الوطن أون لاين

أضيف بتاريخ :2016/10/08

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد