دموع النفاق في جنازة بيريز
نبيلة حسني محجوب ..
المواقف المتناقضة لبعض المسؤولين العرب هي التي أوحت للآخرين بأننا ظاهرة صوتية، وأننا عاطفيون، أو منافقون، أو أن بعض المسؤولين العرب يحملون جراباً يمتلئ بالأقنعة، يضع منه قناعاً لكل مناسبة، مثل العطار الذي يبيع الأخلاق في رواية « أرض النفاق « ليوسف السباعي ، فرغم الصراع العربي الإسرائيلي الذي بدأ عام 1948م ، والمسؤول عن كل أزماتنا ، حتى أن شرقنا المتوسط هو المنطقة الأكثر توتراً على الكرة الأرضية، لأن إسرائيل شكلت بؤرة الفساد داخله، إلا أن بعض المسؤولين العرب هرعوا لحضور جنازة « شيمون بيريز» الرئيس الإسرائيلي السابق، ليتهم فعلوا ذلك فقط، بل ظهرت الفضيحة وجراب الأقنعة وأرض النفاق مع صورهم وهم يذرفون الدموع على العدو الاسرائيلي « شيمون بيريز «
ظهر بعضهم خاشعاً من الحزن يغطي جزءاً من وجهه ربما ليخفي بكاءه على العدو الإسرائيلي المحتل، رغم تجاهل حضوره في كلمة نتنياهو، وبعضهم يكاد يغشى عليه من البكاء.
بين العرب وبين إسرائيل ليس فقط قضية الأرض المحتلة، القدس، والمسجد الأقصى، بل دماء الشهداء في الحروب التي خاضتها أمتنا العربية ضد إسرائيل، والمقاومة الفلسطينية ودماء أطفال الحجارة الأبرياء الذين زج بهم إلى « مناوشة « عدو مدجج بالسلاح بينما هم لايملكون سلاحاً سوى براءتهم وحجارة يقذفونها في اتجاهات خاطئة فينهمر عليهم الرصاص بلا رحمة، تتمزق أجسادهم الغضة، وتسيل دماؤهم الطاهرة على الأرصفة وفي الطرقات.
كم حرباً قُدتم أيها المسؤولون لصد عدوان إسرائيل، كم فقدتم من خيرة أبنائكم وجنودكم وأطفال فلسطين، ثم تذرفون الدمع سخياً على من مات منهم ( وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ) منذ تأسست إسرائيل عام 1948م خاضت « 7 « حروب مع دولكم العربية التي تمثلون شعوبها المطحونة.
الحرب الأولى 1948م ضد مصر والأردن، العراق، سوريا، لبنان قبل أن تصبح إسرائيل كياناً محتلاً بل ميليشيات مسلحة مدعومة.
العدوان الثلاثي على مصر 1956م/ بريطانيا، فرنسا، وإسرائيل.
نكسة 1967م أو حرب الأيام الستة، مصر، سوريا، الأردن وإسرائيل
حرب الاستنزاف على مصر كما أطلق عليها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر
حرب أكتوبر 1973 مصر، سوريا وإسرائيل، بدعم عربي سعودي، والوقفة الشهيرة للملك فيصل رحمة الله عليه بوقف البترول عن أمريكا. إسرائيل كانت هي العدو الأوحد لكل الدول العربية ولا زالت طالما أنها تنفذ خططها الاستيطانية في فلسطين، وتهجر الفلسطينيين، تقتل النساء والشباب والأطفال أو تزج بهم في السجون، وتهدم بيوتهم على رؤوسهم.
هذه هي اسرائيل التي يهرع إليها بعض المسؤولين العرب للمشاركة في جنازة أحد رؤسائها، والبكاء دون خجل!
ألم يتذكروا أطفال الحجارة، ثلاث انتفاضات أو بما يعرف بـ (حرب الحجارة ) خاضها أطفال صغار، لم ترحم إسرائيل طفولتهم، بل تم قتلهم بالرصاص الحي، لازلنا نحفظ في ذواكرنا مشهد « محمد الدرة « ذلك الصبي البهي الذي كان يحاول الفرار من الرصاص المنهمر عليه من كل صوب، لكن جسده الطري لم يستطع مقاومة الرصاص الذي اخترقه ومزقه، في 30 سبتمبر 2000م
إذا كان كل ذلك الصراع القائم حتى الآن - رغم معاهدات السلام - يقزُم أمام جنازة « بيريز « كيف يمكن أن تُنسى كل أساليب التنكيل بالشعب الفلسطيني، كيف تُنسى نظرات محمد الدرة وهو يرى الموت يحيط به، ورصاصات الغدر تستهدفه، والدموع ترتعش في مقلتيه من الخوف والهلع والألم حتى سكن الجسد وأسلم الروح؟
( تلك هي العلة في هذا البلد، إن الذي يحس بالمصاب لا يملك منعه، والذي يملك منعه لا يكاد يحس وجوده،... إن الهياكل التي هزلت من الفقر والجوع والحرمان، والأجساد التي حطمها المرض وأنهكتها العلل لا تملك من أمر نفسها شيئا إنها بلا حول ولا قوة...) مقطع من أرض النفاق ليوسف السباعي .
صحيفة المدينة
أضيف بتاريخ :2016/10/12