أصنام الشورى..!
تماضر اليامي ..
لطالما اعتقدت أننا كمجتمع نقسو كثيرا على مجلس الشورى السعودي، ولطالما دافعت عنه، وكان فحوى دفاعي أنه لو يقدر لفعل. فلا يلام على عدم الطيران طائر ربطت أجنحته.
وقياسا على ذلك كيف يستساغ أن نلوم الشورى على مناقشة قضايا نجدها تافهة كبيض الحبارى وشجر الأراك والتصفيق على حساب قضايا أخرى مصيرية تحتاج وقفة جادة ومستعجلة وحاسمة كقانون الأحوال الشخصية وقانون التحرش وقيادة المرأة ونظام الولاية ومؤسسات المجتمع المدني.. إلخ من قضايا، في حين أن سقف القضايا التي يسمح للمجلس بطرحها للنقاش والتصويت عليها محدد مسبقا، وتتخلله خطوط حمراء لا يمكن له تجاوزها لا برأي ولا بصوت.
أما الجدل بشأن كونه مجلسا لا يمثل الشعب لأنه غير منتخب من قبل الشعب فكانت وجهة نظري أنني أجده متنوعا ويشمل من الأنواع ما يغطي جميع أطياف المجتمع تقريبا، ولذلك لا أجد لكونه غير منتخب تأثيرا جديرا بالتركيز على هذه النقطة.
ولم يسلم الشورى من تمحيص الشعب في رواتب أعضائه وبدلاتهم ومزاياهم وصولا لساعات عملهم المعدودة، وحتى في هذه شعرت أن النقد فيه شيء من الظلم، حيث يفترض أن لا يصل للمجلس إلا ذوو شهادات علمية وخبرات عملية لا يستهان بها كل في مجاله ليتم الاستفادة من تجربتهم واستخلاص آرائهم القيمة في القضايا المرتبطة بتخصصاتهم، وهو بذلك أشبه بالمرحلة الأخيرة في سلمهم المهني قبل التقاعد، واعذروني لكني أجد أن مهمة بهذا الوصف تستحق تلك المزايا. ربما كان الشعب محبطا من مخرجات الشورى المتواضعة مقارنة ببرلمانات العالم -ولا ألومه في ذلك- ولذلك يبحث عن أي سوط وكل سوط يتسنى له أن يجلده به. وقد جاءت هذه المقدمة المهمة ليلمس القارئ مدى حيادنا وموضوعية نقدنا.
قبل أيام طرحت قضية جوهرية للنقاش على طاولة المجلس، وبعد إبداء التوصيات التي كان منها توصية من لجنة الشؤون الإسلامية والقضائية تقضي بتفعيل التنسيق بين وزارات العدل والثقافة والإعلام والتعليم وهيئة حقوق الإنسان لتوعية النساء بحقوقهن العدلية، تم فتح المجال للتصويت فكانت نتيجة التصويت 94 صوتا موافقا مقابل 21 صوتا معارضا بينما امتنع 19 عضوا عن التصويت!
للوهلة الأولى بدا لي أن هذه التوصية من التوصيات النادرة التي لا يختلف عليها اثنان، وليست موضع جدل وكان طرحها موفقا جدا، والتصويت لا يتعدى كونه تحصيل حاصل ونتيجته معروفة ومضمونة، لكن كعادة مجتمعنا الجميل بتنوعه كان لا بد من ظهور عنصر الصدمة متمثلا فيمن يحاربون ضد المتوقع.
وعلى الرغم من غلبة الأصوات الإيجابية لا بد أن نتوقف عند تلك المعارضة لمجرد توعية النساء بحقوقهن، وذلك لما لتلك المعارضة من دلالات تقضي بالرغبة في ما هو عكس ذلك والذي هو حرمان المرأة من حقوقها وظلمها، ووقفة أخرى أشد صرامة إزاء الممتنعين عن التصويت وهل وضعوا في مجلس شورى لغير أخذ مشورتهم وصوتهم، وهل هم في هذه الحالة يستحقون مزايا الشورى كما الأعضاء الفاعلين؟ وما دلالات الامتناع عن التصويت غير كون «عين في الشحمة وعين في اللحمة» يريدون بامتناعهم مكاسب خاصة من منصب عام فلا يخسرون الموافقين ولا المعارضين!
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولأعضاء الشورى الفاعلين، أما المعارضون للعدالة فلا نتوقع أقل من الاستغناء عنهم في مجلس نتوسم فيه العدالة، وأصنام المجلس لا بد من تحطيمها.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/10/14