معالي الوزير: إني رأيت اثني عشر برجا
علي سعد الموسى ..
كنت ولا زلت أحتفظ باحترام بالغ لمعالي وزير المالية، الأستاذ إبراهيم العساف، عطفاً على ركادته وثقله المعهود في إدارة بيت المال السعودي. لمعاليه تاريخ طويل من سياسة الإدارة المحافظة التي قالت عنها صحيفة المال الأشهر "وول ستريت" إنها جنبت المملكة معظم مخاطر الأزمة المالية العالمية نهاية العقد الماضي، وخرجت منها بأقل تكلفة عطفاً على المعادلة التي تحاشت الاستثمار في مغامرات الإغراء بارتفاع العائد ولكن بمخاطر عالية. ولكن هنا يبدو السؤال: هل خلع معالي وزير المالية في الشهر الأخير ثوب الثقل والركادة وعباءة المحافظة على الشماعة الأقرب لبيت الداخل؟ وسأكون معكم أميناً صادقاً، معالي الوزير، لو قلت لكم هذا الصباح إنني لن أكتب عن براءة اختراع الأبراج لأن غيري قد أشبعها لكماً، وأيضاً، لست خبيراً في الفلك والنجوم، سأتحدث عن البرج الوحيد المفقود في هذه الدائرة وهو برج الاتصالات المقطوع فحجب عن معاليكم ردة الفعل الشعبية الجارفة حتى بتنا نشك أن أصحاب المعالي لا يقرؤون المزاج الشعبي العام. بات لدينا الإحساس أن أصحاب المعالي اخترعوا لنا 12 برجاً تسبح في الملكوت الفراغي الفاصل بين برجين آخرين: البرج العاجي في السماء الثالثة عشرة وبرج الإرسال المقطوع في مواقف كل وزارة. وفي المسافة ما بين البرجين، أصبح يساورنا الإحساس، يا صاحب المعالي، أنكم كل صباح تستقبلون بشائر السادة الوزراء، وكل وزير يحتفل بالعثور على بدل شارد أو مكافأة طواها النسيان وكأنهم ينقلون بشارة هلال العيد بيوم قبل انتهاء الشهر. وإلا كيف يمكن لنا هضم البشارة بتوفير مجرد ألف ريال للنقل في إجازة المعلم، وكيف نستوعب، يا صاحب المعالي، تهديد الشؤون الاجتماعية باستعادة بعض المكافآت المقطوعة التي صرفت خلال السنوات الماضية لمن لم يكن يستحقها، وللصدمة، من بعض المسجلين على قوائم الضمان الاجتماعي. ومثل هذين المثالين، عشرات أخرى، وكلها يا صاحب المعالي لا تدخل إلا تحت باب "المكارثية" المالية، وأنا واثق أن معاليكم يعرف قصة المصطلح ما بين القوسين الأخيرين. وبصوت موضوعي غارق بحب وطنه حتى نهاية لسانه ومزماريه، بات المزاج العام فيما بين البرجين يحس أن أصحاب المعالي يتعاملون مع ردود الفعل بعبارات مثل "كلها يومين وتنتهي" أو "هاشتاق يمسحه اللي بعده" بلغة العصر. ونحن جميعاً يا صاحب المعالي، وكل أصحاب المعالي شركاء وطننا الغالي في السراء والضراء، بل نحن هذا الوطن، ويشفع لهذا الشعب حين يطلب من كل قرار ركنيه الجوهريين: دراسة جيدة شاملة وتسويق وتمهيد إلى كل الذين يستقبلونه. هذا ما لم نعد نشاهده.
نحن يا صاحب المعالي نعيش عصر العلم وثورة المعرفة وأبسط ما جادت به هذه التقنية الهائلة أن "الآلة الحاسبة" العملاقة التي كانت ذات زمن مضى حكراً على مشتريات الوزارة لضخامة التكلفة باتت اليوم على حاسوب أطرف مواطن. وكل ما أخشاه يا معالي الوزير أن الأرقام النهائية في المشترك ما بين هذه الآلة الحسابية الواحدة في جيب المواطن أو مكاتب الوزارة لن تؤدي سوى إلى الجملة النهائية حين يعتقد المواطن أن الوزارة باتت له منافساً لا شريكا مثلما كان من قبل. ومن دون تسويق وتمهيد أسباب القرار وحيثياته سيقول ذات المواطن مع هول الصدمة والفجأة: وماذا يعني توفير 9 مليارات في العام برواتب الأبراج في ميزانية تقدر في أقل الأحوال بـ800 مليار؟ وفي جعبة المواطن أيضاً لمعاليكم ولزملائكم بضع أسئلة على هذا النحو، وقد كتبت بعضها بما تسمح المساحة مستنداً على ما لمست وسمعت، وكأنني يا صاحب المعالي قد اكتفيت بالعنوان: إني رأيت اثني عشر برجا. لم أشاهد البرج العاجي لأصل بخواطري إليه ولم يشتغل برج الإرسال في مواقف الوزارة وساحتها الخارجية.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/10/19