من يقول أن السلطة التشريعية «فاشلة»؟
هاني الفردان ..
ماذا لو قال أحد المغردين أو الكتاب أو النشطاء السياسيين أن أداء السلطة التشريعية الحالي (بغرفتيها الشورى والنواب) كان «فاشلاً» ومخيّباً لآمال الناس؟ سيشن عليه هجوم شرس، وقد يوصف بأبشع الأوصاف، وقد يتهم أيضاً بإهانة السلطة التشريعية ويجرجر إلى ساحات القضاء!
دخلنا يوم الأحد الماضي (16 أكتوبر/ تشرين الأول 2016) دور الانعقاد الثالث من الفصل التشريعي الرابع للمجلس الوطني (السلطة التشريعية) في ظل إرهاصات سياسية عالمية، إقليمية ومحلية، وأزمات مالية واقتصادية، وقضايا اجتماعية متعددة باتت مقلقة على أقل تقدير في منطقتنا.
وكما يقال «أهل مكة أدرى بشعابها»، فالنائب أنس بوهندي، وفي حوار مع صحيفة محلية (10 سبتمبر/ أيلول 2016) اعتبر أن مجلس النواب «فشل» في تحقيق تطلعات وآمال المواطنين، وأن ذلك الفشل مبني على مقارنة بما أنجزته المجالس السابقة طيلة 12 سنة برئاسة خليفة الظهراني، الذي لم يأل جهداً مع أعضاء المجالس السابقة في سبيل تحقيق مكاسب حقيقية للمواطنين. وكان النائب يوجّه تشكيكاً «مبطناً» إلى رئيس مجلس النواب الحالي!
ذهب بوهندي لأكثر من ذلك، مؤكداً أن المنجزات التي تحققت من قبل مجلس النواب في السنتين لا تكاد تذكر، خصوصاً تلك الأمور التي تهم المواطنين كزيادة الرواتب، وعدم رفع الدعم وبعض الأمور التي كانوا يترقبونها ويأملون الحصول عليها.
النائب بوهندي كان «يلمّع» صورة رئيس مجلس النواب السابق، فما الذي حقّقه المجلس النيابي طوال فترة الظهراني؟ قد لا يتذكر الناس شيئاً عدا جمل ساخنة كعبارة «إذا بليتم فاستتروا»، عندما فتح أحد النواب ملف قضايا الفساد في البلاد؛ و«ليس من شيم العرب»، عندما تم الحديث عن استرجاع الأراضي، بكلمته المشهورة: «لا يمكن سحب الهبات لأن ذلك ليس من شيم العرب»!
ويبدو أن «الخلافات» داخل مجلس النواب كبيرة جداً بلغت حد الانقسام والحديث العلني حالياً، فرد النائب جلال كاظم على بوهندي هو الآخر كان صريحاً، وكشف جانباً آخر من المشهد النيابي والانقسام على أداء رئيس المجلس، حيث قال كاظم: «إن المجلس النيابي وبرئاسة رئيس مجلس النواب أحمد الملا حقق الكثير من الإنجازات للوطن والمواطنين، وقدّم كثيراً من المبادرات والأعمال والجهود على المستوى البرلماني، محلياً ودولياً»!
بلغ الحال بأعضاء مجلس النواب حد التراشق، ووصفوا مجلسهم بـ«الفاشل»، ووصفوا بعضهم بـ«الفاشلين»، إذ قال النائب كاظم: «أي نائب يصف المجلس الحالي بالفشل فهو نائب فاشل»! مستطرداً بالقول: «وعليه أن يعيد حساباته ويراجع مواقفه، فنحن جميعاً فريق عمل واحد، نسعى لخدمة الوطن والمواطن، ومن يشذ عن هذه الرؤية وهذا الطريق، فهو فاشل، ولا يحق له أن يمثل الشعب الذي منحه الثقة وأمانة العمل والإنجاز والتمثيل النيابي»؛ كما «لا يحق لأي نائب أن يصف المجلس الحالي بالفشل بدلاً من إظهار فشله الشخصي بالمجلس وعدم تقديمه إنجازاً على المستوى المطلوب»!
مشهد تقاذف كلمة «الفشل» بين النواب، يأتي ضمن مسلسل «الهوشات» النيابية والخلافات الكلامية، والتي بلغت حد الشكاوى القضائية بين النواب، والتي لم تتوقف حتى مع فض دور الانعقاد.
قضايا باتت منظورة أمام النيابة العامة لخلافات نواب مع بعضهم البعض، أو مع قيادي في الأمانة العامة للمجلس بتهمة «السبّ» والقذف والتشهير وغيرها، كما تحوّل موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» إلى ساحة تراشقٍ بين نواب، بين من يريد أن يرى «رجالاً»، وآخر يدعو زميله لتقديم استقالته!
نواب تحوّلوا من ساحة التشريع والرقابة وتحقيق المكاسب أو الحفاظ عليها على أقل تقدير خدمةً للشعب، إلى «تصيّد» الأخطاء على بعض والإيقاع بهم، و«الوشاية» فيما بينهم، فكان خير مثال على ذلك تسريب ما قالته النائب رؤى الحايكي من أحد «القروبات» على «الواتساب»
لـ «نواب الشعب» إلى صحيفة محلية لضربها «من تحت الحزام» بمقاصد واضحة، لإيقاعها في الفخ السياسي.
حوادث وقصص كثيرة متعددة يمكن أن توصف بـ «فضائح» نيابية لم ولن تنتهي، ولن تكون هي المشهد الأخير في ذلك المسلسل الطويل.
بالعودة للمقاربة بين رئيس المجلس النيابي السابق والحالي، فكلنا يعلم سبب الهجوم على الرئيس الحالي، الذي بدأ خطوات حقيقية لغلق الباب الذي فتحه من كان قبله لسيطرة جمعيات «إسلامية» على هياكل مجلس النواب. هذا التدخل الواضح لمنع ذلك، جعل تلك الجمعيات تشن هجوماً على الرئيس الحالي، كونه يُفقِدها قوتها وسيطرتها ويخرجها من الباب الواسع بعد أن أسقطتهم الانتخابات الأخيرة.
إذا كانت تلك القصص والمشاهد الشغل الشاغل لبعض نواب الشعب، فلا يلوم أحد إذا ما تحدّث الشعب عن أداء سلبي وفشل أداء المجلس النيابي بشكل خاص والسلطة التشريعية بشكل عام، فالظاهر منه خلافات ومشادات و«هوشات» بلغت حد التقاضي، حتى ضاعت حقوق الناس، في خضم كل هذه الإرهاصات.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/10/19