لماذا باغتتنا الأزمة المالية؟
مرزوق بن تنباك ..
من الطبيعي أن تمر الدولة بتحولات ومتغيرات كبيرة، وأن تتعرض لأزمات ومواقف قد لا تكون في صالحها في كل الأوقات، فدوام الحال من المحال، والعالم يتغير من حولنا ويتحول في أبعاد كثيرة ونحن جزء منه ولا ننفك عنه، وتأثيره قوي علينا، وليس نحن فحسب، بل لا يستطيع أحد أن يعيش في منأى عن المحيط العالمي مهما حاول الابتعاد والانعزال ليعيش في كوكب وحده، ولا بد أن يتأثر بغيره شاء أم أبى، وكل يعرف أن الأحداث التي تعيشها المنطقة العربية قاسية ومؤلمة، وأكثر من ذلك خطيرة ومنذرة بالمزيد من التعقيدات السياسية والاقتصادية والأمنية المحلية والعالمية.
وفي الأفق يلوح مزيد من الإرهاصات لما هو أشد وأخطر مما هو حاصل الآن من الاضطرابات في الوضع الاقتصادي العالمي غير المستقر في كل الأحوال، وقد تتمخض الظروف الآتية عن ما هو أسوأ مما هو حاصل، ولا بد في هذه الحال أن تكون أولويات الدولة هي المحافظة على مكاسبها مهما كانت وأمنها واستقرارها، والبحث عن طرق النجاة الممكنة لها ولمواطنيها والمقيمين فيها قبل الاهتمام بشؤون الغير أو مساعدتهم.
ومطلب الأمن مقدم على كل المطالب، وأول ذلك الأمن الاقتصادي الذي هو أساس كل أمن واستقرار، ونحن مثل غيرنا في الوقت الراهن نتعرض لأزمة مالية مؤثرة كل التأثير وقد واجهنا مقدمات هذه الأزمة الاقتصادية منذ أقل من عام، أو بالأصح اكتشفنا أننا نواجه أزمة غير متوقعة، وكنا قبل ذلك نظن، بل كنا متأكدين، أننا من أغنى الدول، وأننا ضمن العشرين الكبار في الاقتصاديات، وكنا ندعى بهذه الصفة لكل المؤتمرات التي تقيمها مجموعة العشرين الغنية، وإلى اليوم نحن أعضاء في هذه المنظمة المهمة، مع ذلك فقد ظهر لنا بين عشية وضحاها أننا نواجه أزمة مالية مركبة ومعقدة ومؤثرة لم نكن نشعر بمقدمها وغير قادرين على تصورها، فكان علاجها سريعا وطارئا على المستوى المحلي، ومفاجئا وغير متوقع في نفس الوقت.
ولا يبدو أن المفاجأة كانت للناس العامة الذين لا يتحملون مسؤولية ما يحدث في المستقبل، ولكنها فيما يظهر فاجأت حتى المسؤولين والمخططين وأصحاب القرار الاقتصادي الذين ألقى المجتمع إليهم أمانة رعاية حاضره والتفكير بمستقبله، فباغتوا الناس بقرارات اتخذوها قوية وصارمة وحازمة في نفس الوقت، وسريعة طارئة ولم تكن متوقعة، مع أن هناك تفهما كبيرا لما اتخذ من قرارات، حتى لو مست جيوب الموظفين، بل مست كل مصالح المواطنين.
لكن السؤال المشروع الذي يجب أن يسأل، وأن تكون الإجابة عليه واضحة وجلية وصريحة هو أين المخططون للمستقبل، وأين القارئون للأحداث وأين المستشرفون لما يمكن أن تواجهه الدولة من المشكلات، أليست هناك وزارة اسمها وزارة الاقتصاد والتخطيط ومهمتها إدارة شؤون المستقبل والتوقع لما يمكن أن يحدث، وأول واجباتها وأهم مسؤولياتها التنبيه لما سيواجه الناس من مصاعب قادمة أو متوقعة.
كنا قبل مدة وجيزة لا تزيد على سنوات ننفق المليارات لإنعاش الاقتصاد العالمي، ونساهم في دفع الضائقة الاقتصادية التي مرت بها الدول الصديقة، بل ونساهم في تنمية الاقتصاد العالمي وتحفيزه، لماذا أصبحنا فجأة ودون مقدمات على وشك الإفلاس، لماذا غابت الدراسات المستقبلية، ولماذا غاب المخططون مع أنه من المعروف أن الدول تضع الخطط والدراسات لخمسين عاما قادمة ولما هو أكثر وما هو أقل من ذلك، ونحن لا نطالب بهذا البعد الزمني ولكننا نطالب بالحد الأدنى من التوقعات لما يمكن أن يحدث لنا في عشر سنوات قادمة، وحتى على فرض أننا على ثقة بأن موردنا الوحيد ثابت ودائم وليس متغيرا مع الظروف والمتغيرات فإن استشراف المستقبل والتفكير فيه من أهم الواجبات.
وأخيرا كيف فرطنا بوفر السنوات السمان التي وصل أعلى سعر للبترول فيها إلى 147 دولارا للبرميل، كل هذه الأسئلة يجب أن تكون إجابتها ضوءا ينير طريق الأمل القادم حتى لا نكرر الخطأ مرة أخرى ونندم، ولات ساعة مندم، والله المستعان.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/10/26