أزمة سياسة واقتصاد
الكاتب: قاسم حسين
الأرقام التي تضمنها تقرير ديوان الرقابة المالية الأخير، تقرع أكثر من جرس إنذار، حيث تتبدى علامات إنذار مزعجة، ستؤثر على الوضع الاقتصادي العام، وعلى حياة جميع المواطنين لأكثر من ثلاثين عاماً مقبلة.
أحد أكبر وأهم علامات الإنذار، ارتفاع سقف الدين العام من 2.5 مليار دينار في 2010 إلى 7 مليارات في 2014، وهو رقمٌ ينبغي تحديثه بعد أن أصبح قديماً، حيث نحن في العام 2015، وقد بشّرنا وزير المالية قبل عشرة أيام، بأنه سيبلغ 10 مليارات مع نهاية العام المقبل (2016). وهو رقمٌ كبيرٌ جداً بالنسبة إلى بلدٍ صغيرٍ، موازنته السنوية لا تتجاوز 3 مليارات، ويعتمد في 85 في المئة من دخله على النفط، الذي تهاوت أسعاره إلى النصف خلال العام الجاري.
مبلغ 10 مليارات دينار، ليس بالرقم العابر، فهذا الرقم يمثل عبئاً هائلاً على الاقتصاد الوطني، كما يمثل عبئاً إضافياً ضاغطاً على حياة الناس، فهو دين قومي، سيتحمل هذا الجيل والجيل المقبل أو الذي بعده، كلفة تسديده وتسديد خدمة فوائده، هذا إذا افترضنا تحسن أسعار النفط بدءاً من هذا اليوم، وعدم الاستمرار في سياسة الاقتراض. ولو وزّعنا هذا الرقم على الشعب البحريني (650 ألف نسمة)، لكان نصيب الفرد، من الدين العام 10.769 آلاف دينار، رجلاً أو امرأة أو طفلاً أو عجوزاً في التسعين.
التجارب التاريخية السابقة، تؤكّد أن الاستمرار في الاقتراض من الخارج لا يحلّ أزمات البلدان، كما في لبنان أو اليونان أو مصر حالياً، أو حتى في تركيا ودول أميركا اللاتينية في الثمانينيات. فاقتراض الدول يمكن أن يتحوّل إلى نوعٍ من الإدمان، كما يحدث لدى الأفراد، كما أنه يرهن قرارات البلدان لإرادة الجهات المقرضة، التي تفرض شروطاً تمس السيادة والاستقلال، وتتحكّم في توجيه الاقتصاد والتأثير في السياسة الداخلية.
دول أميركا اللاتينية مرّت بتحوّلات ديمقراطية كبرى، جاءت بإصلاحات حقيقية وسياسات جديدة انحازت إلى الشعوب وخياراتها، وأخرجتها من الحلقة المفرغة للاقتراض والخضوع لإرادة المؤسسات المالية الدولية. ونجحت تركيا في الخروج من هذا الفخ الخانق، وبنت اقتصادها خلال العقد الماضي، أما جارتها اليونان فظلّت مسيرتها متعثرةً وتسير من سيئ إلى أسوأ حتى شارفت على إعلان إفلاسها. أما مصر ولبنان فنشاهدهما ونتألم، حيث تعاني الدول العربية من أقدم أمراض البلهارسيا السياسية المستوطنة: الاستعصاء على الديمقراطية الحقيقية!
الرقم الذي بشّرنا به وزير المالية، جاء مع إشارتين مهمتين: الأولى هي أن «الاقتراض الحالي يُوجّه لخدمة الدين العام بدلاً من تمويل عجز الميزانية»، والثانية: «عدم وجود قانون خاص ينظم الجوانب المتعلقة بإدارة الدين العام». وقد ارتفع حجم فوائد الدَّيْن العام، التي تدفعها الحكومة للجهات المقرضة، إلى أكثر من 180 مليون دينار، وهو مبلغ أكبر من موازنة مشاريع الإسكان والصحة والتعليم معاً (مجموعها 145 مليون دينار).
إن هناك أوضاعاً اقتصادية صعبة، ستفرض نفسها على الدول والشعوب في المنطقة، وسنبدأ بدخول مرحلة تجاوزتها دول أميركا اللاتينية قبل عشرين سنة، لنكتشف أن 95 في المئة من الأموال التي اقترضتها الحكومة في 2014 ذهبت لتسديد قروض سابقة، فيما يُطالب المواطن بتحمّل كلفتها وتبعاتها، دون أن يكون له رأيٌ أصلاً في السياسات الاقتصادية في السنوات السابقة والقادمة.
المقال لصالح صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2015/11/09