أردوغان... ماذا تبقّى مما بناه؟
قاسم حسين ..
هل بقي شيءٌ واحدٌ ممّا بناه وأنجزه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان منذ كان رئيساً للوزراء قبل خمسة عشر عاماً؟
في العام 2003، كان أردوغان يقدّم نموذجاً واعداً لما سمي بـ «الإسلام المعتدل»، واهتم الأميركيون بالترويج لتجربته السياسية التي نجحت في تحقيق معدل نمو اقتصادي مرتفع، وإشاعة الأمن والاستقرار، والانفتاح على مكوّنات الشعب التركي، خصوصاً الأكراد، فضلاً عن تدشين سياسة «صفر مشاكل»، التي حظِيت بمباركة جميع الأطراف، محلياً ودولياً.
هذه السياسة، تصفير المشاكل مع كل دول الجوار، انقلبت رأساً على عقب، بعد تدخلاته العميقة في أحداث الربيع العربي، وأشهرها مصر، قبل وبعد سقوط حكم الإخوان المسلمين، إلى جانب ليبيا. على أن أخطرها تدخّله الشامل في الشأن السوري، حيث أصبحت بلاده ممراً لتسعين في المئة من التنظيمات الإرهابية التي تم تجنيد أعضائها من اثنين وتسعين بلداً عبر العالم، وإقحام عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب في الحرب الداخلية بين السوريين. (تقرير ألماني يقول بوصول 360 ألف أجنبي منذ أبريل 2011 مقابل الجيش السوري البالغ تعداده 450 ألفاً).
نهاية العام 2012، تنبّه الأميركيون قبل غيرهم، إلى الخطأ الكبير بدعم التنظيمات الإرهابية، فأعادوا برمجة اندفاعتهم في الشأن السوري، خوفاً من ارتداداتها المرتقبة. ولم يتنبه الأوروبيون للخطأ الاستراتيجي إلا بعد أن وقعت الفأس في الرأس، خصوصاً فرنسا، أكثر الدول تشدداً وتورطاً في سورية، وأكثرها معاناةً من الارتدادات العكسية لذلك، حيث حظيت بالنصيب الأكبر من التفجيرات والعمليات الإرهابية التي تعرّضت لها القارة الأوروبية.
مع مطلع العام الجاري، كان أردوغان اللاعب الوحيد والأكثر عناداً في الشأن السوري، واصطدم بسياسات الدول الأخرى، خصوصاً جارته الكبرى روسيا، ودخل معها في لعبة مواجهة خطيرة، حين أُسقطت طائرة روسية. كما اصطدمت أجندته بأجندة حليفته الكبرى، الولايات المتحدة، بشأن فرض منطقة حظر جوي، وإقامة منطقة عازلة داخل الحدود السورية، وهو ما لم يقبله الاتحاد الأوروبي أيضاً. وهكذا نحا أردوغان باتجاه سياسةٍ أحاديةٍ تزداد انعزاليةً مع الأيام، ولم يبق له حليف أو صديق يثق به، حتى الأميركان. وبلغ ذلك الذروة مع الانقلاب العسكري ضده في 15 يوليو/ تموز الماضي، واتهم فيه مباشرةً الأميركيين، بإيوائهم ودعمهم غريمه فتح الله غولن، معلّمه السابق، الذي يرفضون تسليمه حتى الآن.
اليوم، يزداد أردوغان غرقاً في سياسته، التي تحوّلت إلى عدوانية في نظر الكثير من الشعوب والحكومات في المنطقة، وأسوأها ما يقوم به في العراق. فهي تقدّم حالةً نموذجية من التخبط والانفعالية، والبعد عن الأصول الدبلوماسية المفترض إتباعها بين الدول والحكومات.
العراق تعرّض إلى مؤامرةٍ كبرى لإسقاطه وتقسيم أراضيه، وتداخلت أجندات إقليمية ودولية لتحقيق هذا الهدف، حيث صحا في 11 يونيو/ حزيران 2014، على احتلال تنظيم «داعش» ثلث مساحته. ولم يوقف هذه المؤامرة إلا النفير العام، الذي نجح في صد الغزاة، وإسقاط المؤامرة، بعدما كان المسرح معداً لاستقبال دولة انفصالية جديدة، باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، ونُحت لها اسم مختصر باللغة الانجليزية (ISIS)، مازالت بعض القنوات «العالمية» تصرّ على استعماله بحبٍّ وإخلاصٍ حتى الآن!
العراق ظلّ يتحضّر منذ عامين لساعة الحقيقة، وبدأ منذ أشهرٍ يعدّ العدة لتحرير ما تبقى من أراضيه المحتلة، وتخليص شعبه من قبضة أشرس تنظيم إرهابي ابتلي به شعبٌ بالمنطقة، وسط تفهم دولي شامل، إلا من تركيا، التي تمسّكت بموقف شاذ، بإصرارها على المشاركة قسراً في معركة تحرير الموصل، رغم كل الرفض الرسمي والشعبي في العراق.
أردوغان الذي انقلب على سياسته المتزنة الأولى، وهدم بيديه كل ما أنجزه وبناه، نجح مؤخراً في توحيد العراقيين، الذين لا يتفقون على موضوع واحد، ضده بالإجماع.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/11/07