فيصل الجهني ..

 أشد ما يثير استغرابي وحنقي وألمي مشهدان يتعلقان -كلاهما- بفتياتنا ونسائنا (في الحقل التعليمي خاصة). أما المشهد الأول فهو التناقض العجيب بين مقولات كرامة المرأة ورعايتها (لدينا)، ومشهد تركها نهبا لوحشة الطرق النائية والمفازات الموحشة، تحت رحمة سائقين ليس عليهم عهود ومواثيق ومعايير، وكذلك الحال فيما يختص بحالة الطالبات المزرية والمهينة في المدارس الحكومية!

تفرض الكثير من الخطابات المحلية المهيمنة وصاية بحق المرأة، فتجرم قيادتها السيارة، واختلاطها بالرجال في أماكن عامة، كما تقيدها بقيود الولاية الجائرة التي تمنعها من السفر وحدها، وكذلك مراجعة الدوائر الحكومية وقضاء معاملات مدنية متكررة (وبسيطة)، كاستئجار منزل أو شراء بيت أو أو..، زعما من سدنة تلك الخطابات أن في تلك القيود صونا للمرأة من طمع من في قلوبهم مرض...(الخ)!

ولكننا نجد في اللحظة نفسها أن هذه المرأة (نفسها بالضبط، ولكن بصياغة وظيفية تعليمية) يقذف بها بعيدا عن أهلها (بمن فيهم وليها نفسه الذي يتعذر عليه في أحيان كثيرة أن يرافقها في رحلة القذف تلك إلى أبعد القرى والهجر)! فلا يهم الآن أن تسافر المرأة/ المعلمة مع سائقها، أو مع سائق مجهول الهوية والأخلاق، فمسألة (الخلوة) مرجأة في هذه الحالة (ما دام الإفصاح عنها يحمل الوزارة الكثير من ضغوطات المعلمات الحانقات على رميهن نحو المجهول)! كما لا يهم أن تسكن المرأة المعلمة وحدها، أو في (عمارة مختلطة)، إذ (الاختلاط) -كذلك- وصاية مؤجلة، تماهيا مع متطلبات (التوظيف) و(الوظيفة)! كما لا يهم (الكيفية) التي تمارس فيها المعلمة حياتها في أبعد (أرض) عن حياتها (المطمئنة الأولى) برعاية أهلها والوصيين عليها معا!

كما أن الحالة التي ترتهن إليها بناتنا في مدارسهن تقوض كل خطاب يؤكد على كرامة المرأة واحترامها وتقديرها، عندما نجد مثلا 800 فتاة -مثلا- يقبعن أثناء التمتع بزمن الاستراحة، في حوش حار بائس ضيق (مهنقر)، لا يختلف كثيرا عن حظائر البهائم (أعزكم الله وأعز بناتنا)، كما أن الأمر لا يختلف كثيرا داخل الفصول التي من الممكن أن يجتمع داخلها 50 طالبة في مساحة لا تزيد على 30 م مربع! كما أن مصير حياة هؤلاء الطالبات يظل بيد حارس وحيد، يمكن أن يترك بوابته الحديدية الصلدة المغلقة في أي وقت بلا حسيب أو رقيب!

أما المشهد الثاني فهو صلف وتجبر وتعنت وجمود مديرات المدارس والمراكز التعليمية ومكاتب الإشراف، الأمر الذي لا نجد مثيلا له في فتياتنا ونسائنا العاملات في قطاعات الصحة والتجارة والثقافة والإعلام! (وإذ أقارب هذا المشهد داخل منظومة التعليم في مدينة جدة، فإني لا أتمنى وجود مثيلاته في بقية مدن المملكة الحبيبة).

فمن ناحية، فإن الذهنية المتحكمة في عقل المديرات أو (القائدات التربويات) هي ذهنية التفتيش والمراقبة والمحاسبة، إذ لا أثر (هنا) لذهنية تعليمية تربوية تستند على قيم المشاركة والتفاعل والعمل بروح الفريق (النسائي) الواحد!

من ناحية أخرى، فإنه يصعب تماما التواصل مع هؤلاء (المديرات) ومعهن مديرات مراكز التعليم ومكاتب الإشراف، فهن لا يظهرن ولا يسمعن ولا يتحدثن، إلا من وراء حجب متراكمة بمسافات ظلامية ضوئية، لا يقدر على اجتيازها طالب حاجة من حاجات التعليم المتنوعة والمتجددة (بدءا من نقل ابنة إلى المستشفى أثناء اليوم الدراسي، وإلى نقل ابنة أخرى من مدرسة إلى أخرى، ومرورا بكل حالة وانتهاء لكل مشهد)!

وبالتالي فإن من الواجب الحتمي حقا الانتباه لهؤلاء النسوة من أن يتمادين في تعطيل مصالح العباد المصيرية، كما يجب أن يعرفن عن رهبة أو رغبة بأن المدارس والمراكز التعليمية ليست من أملاكهن الخاصة، وأن عملهن يفرض عليهن أن يشرعن آذانهن للإنصات والتفاعل مع كل طالب حاجة (دون انتظار حضور المرأة الأم التي قد يتعذر حضورها لأسباب شتى)، فارتداء طاقية الإخفاء لا يليق بمسؤولات وعاملات داخل إحدى مؤسسات الدولة.

يكفينا (يا هوانم) ما نجد من معوقات.. يكفينا ما نجده في واقعنا من مستبدين وأوصياء ومفسدين عطلوا علينا الحياة، وأفسدوا علينا الدين، وامتهنوا بناتنا وأولياء أمورهن (معا)، وشوهوا داخلنا العلم و(تعليمه)!

صحيفة الوطن أون لاين