من مشاكل البيروقراطية توظيف الأقارب
سطام المقرن ..
هل توجد لدينا قواعد قانونية تجرم توظيف الأقارب أو على الأقل تجبر المسؤول على الإفصاح عنها؟ وما آليات وشروط التوظيف؟ وكيف تتم مراقبتها؟
تفاجأت كغيري بوجود بند للتوظيف في الوزارات والجهات الحكومية بمسمى "بند استقطاب الكفاءات المتميزة"، وهو عبارة عن مخصص مالي يقدر بمبلغ (10) ملايين ريال سنويا يخصص لكل وزارة ويكون تحت تصرف الوزير لاستقطاب من تقتضي الحاجة ومصلحة العمل بالوزارة الاستعانة بخدماتهم من غير موظفي الدولة بعقود شهرية أو سنوية، وذلك بهدف تحفيز الموظفين المتميزين والمحافظة عليهم وفق ضوابط دقيقة أعدتها وزارة الخدمة المدنية.
ربما يأتي بند استقطاب الكفاءات المتميزة بسبب كثرة شكاوى الجهات الحكومية من قلة الوظائف وتسرّب الكفاءات المؤهلة منها، فلا يخلو أي تقرير سنوي لأية جهة حكومية من نص هذه الفقرة "تأخر تجاوب وزارة الخدمة المدنية مع طلبات شغل بعض الوظائف بالتعيين، ووجود نقص عام في الوظائف المعتمدة في الوقت الذي يحدث فيه نمو متسارع في المجالات ذات العلاقة في العمل كافة"، بالإضافة إلى "عدم توافر الحوافز المادية والمعنوية التي تساعد على استقطاب الكفاءات المتخصصة، وعلى الأخص في التخصصات المتميزة، مما أدى إلى تسرب الكفاءات إلى القطاع الخاص"!
وبالطبع، فإن مثل تلك الشكاوى والمطالبات لا تخلو من المبالغة في وصف المشكلة، وتكاد تكون مشكلة نقص الاعتمادات المالية وقلة الوظائف متفقا عليها بين الجهات الحكومية عموما، وذلك بهدف التنصل من المسؤولية عند الفشل في تحقيق الأهداف، فعند البحث عن الأسباب الحقيقية لفشل البيروقراطية نجدها تتمثل في سوء الإدارة وغياب المساءلة وتنامي مظاهر الفساد فيها، والشواهد على ذلك كثيرة، ولنأخذ على سبيل المثال مشكلة التوظيف في الجهات الحكومية وكيف تدار من قبل بعض المسؤولين.
في عام 1939 كان نظام الخدمة المدنية في المملكة العربية السعودية غير مركزي، فكل جهة حكومية كانت تستعمل قوانينها ونظمها الخاصة في اختيار الموظفين لديها، وفي عام 1977 أعطيت الخدمة المدنية صلاحيات أكبر في عملية التوظيف، وكان النظام آنذاك ينص على أن الجدارة هي الأساس في التوظيف، ويعتبر ديوان الخدمة المدنية هو المسؤول عن مواكبة امتحانات التوظيف الوطني عدة مرات في السنة.
وقد انتقد أحد الباحثين نظام الاختيار الشخصي لأنه يتم التلاعب به من قبل المسؤولين، ووصفه بالقول: "تبدأ عملية الاختيار عبر نشر إعلان من الوزير المختص في الجريدة الرسمية وجرائد أخرى واسعة الانتشار تشير بوضوح إلى المتطلبات لملء الوظيفة. ومن أجل ضمانة اختيار الشخص المختار سابقا، يتم تحديد محتوى الامتحان ليتناسب مع خلفية البعض في بعض الحالات، أو عبر صياغة أولية للمتطلبات بطريقة لا تناسب الكثيرين من الناس أو تؤهلهم للقبول بالوظيفة".
وفي عام 1999 تم إنشاء وزارة الخدمة المدنية لتحل محل (الديوان العام للخدمة المدنية) لتتولى الإشراف على عملية التوظيف في القطاع الحكومي، حيث تطرح الوظائف المطلوبة في كل قطاع مع إمكانية التقدم لها إلكترونيا عبر خدمة جدارة، وكما رأينا آنفا بدأت الوزارات والجهات الحكومية تشتكي من هذا النظام، وتطالب بتطبيق اللامركزية في عملية التوظيف لاستقطاب الكفاءات المؤهلة والحد من التسرب الوظيفي.
وبناء على ما سبق، نجد أن نظام التوظيف مرّ بثلاث مراحل متتالية، وهي: التأسيس ثم اللامركزية، وأخيرا تحول إلى المركزية عن طريق نظام جدارة بهدف تأكيد التطويع لأفضل المؤهلات الوظيفية لمواجهة تحديات التطور، ومع التغيرات الحديثة التي تمر بها المملكة أصبح التركيز الآن على الجدارة وتكافؤ الفرص والمساواة والتوظيف اللامركزي عن طريق الوزارات والجهات الحكومية نفسها، فقد قامت وزارة الخدمة المدنية بإعطاء التوظيف الذاتي لبعض الجهات الحكومية، ومن ذلك على سبيل المثال: التوظيف على بند الأجور، التوظيف عن طريق المقابلات الشخصية أولاً من الجهة الحكومية، برنامج التشغيل الذاتي في مستشفيات وزارة الصحة، التعاقد السنوي، وأخيرا بند استقطاب الكفاءات المتميزة.
وبالرغم من اعتماد مبدأي الجدارة وتكافؤ الفرص في نظام الخدمة المدنية، وكذلك تجربة التوظيف الذاتي وتطبيق اللامركزية، إلا أن المحسوبية والارتباطات العائلية ما زال لهما دور محوري في اختيار الموظفين وترقيتهم، فما زال بعض البيروقراطيين يتصرفون بازدواجية لإرضاء قيمهم الاجتماعية والقبلية من جهة، وواجباتهم الرسمية والنظامية من جهة أخرى، وليس هذا وحسب، بل بدأت المصالح الشخصية تدخل في عملية التوظيف، فأصبح هناك حجب للوظائف الحكومية الشاغرة، ولا يتم الإعلان عنها، ووجود سرية تامة في عمل اللجان، وغموض شديد في المعايير والضوابط.
وقرارات التعيين للأسف تخضع لإشراف شكلي من قبل وزارة الخدمة المدنية، وبالتالي لا يوجد من يراجع قرارات التعيين، مما أدى ذلك إلى وجود مخاطر عالية تتمثل في قدرة المسؤول الحكومي على تعيين من يرغب لأي غرض وحجب الوظائف المتاحة أو حجزها لأشخاص معينين. والسؤال المطروح هنا: هل توجد لدينا قواعد قانونية تجرم توظيف الأقارب أو على الأقل تجبر المسؤول على الإفصاح عنها؟ وما آليات وشروط التوظيف؟ وكيف تتم مراقبتها؟ وكيف يتم اعتماد مثل هذه الوظائف؟
ولهذه الأسباب تبرز أهمية الرقابة والمساءلة والشفافية وإقرار العقوبات الجزائية عبر الجهات القضائية المتخصصة.. فمتى نبدأ بتطبيق هذه المنظومة الرقابية وكيف؟
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/11/08