ترامب و«خطاب العرش»
قاسم حسين ..
لم تكن المفاجأة في انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، فقد كانت للأميركيين سوابق في انتخاب أشخاص متطرفين مثله، كرونالد ريغان وجورج بوش الابن، وإنّما كانت المفاجأة في الخطاب الذي ألقاه بعد ساعتين من إعلان فوزه!
الرئيس القادم، على تطرفه وما أظهره من حماقات واستفزازات، ربما لا يكون أسوأ «كثيراً» من كلينتون أو أوباما، بالنسبة لنا نحن في الشرق الأوسط، من ناحية ضريبة المال والدم. فالرئيس (السابق قريباً) أوباما ووزيرة خارجيته الديمقراطية السابقة، كلاهما كان ينظر إلينا كجرذان وحقول تجارب وأغنام. والرئيس «الجديد» الذي كتب عنه أستاذ جامعي أنه أحمق ولا يفهم إطلاقاً في السياسة، قدّم نفسه في صورة رجل دولة مسئول، في أول خطابٍ له بعد الفوز. لقد ارتجل خطابه من دون تلعثمٍ، أو قراءةٍ في ورقة أمامه، كأنما كان يقرأ مما اختزنه في عقله من مخطّطٍ، يملي ما يفكر به وهو يعرف ما يقول، فبدا خطاباً سياسياً متسلسلاً منطقياً.
المفاجئ في هذه المعركة كيف تحوّل خطابه الشعبوي الناري الصدامي، فجأةً وخلال ساعتين فقط، إلى خطاب هادئ رزين، وجّه فيه عدة رسائل سياسية، إلى عدة أطراف، في الداخل والخارج. وهو ما يدعو للتشكيك في صحة تلك الصورة التي خلقها هو شخصياً عن نفسه، واستغلها الحزب الآخر، كشخص متهور طائش، يريد أن يكسح الخصوم كالدبابة.
لقد بدأ خطابه بشكر منافسته الجريحة هيلاري كلينتون، وهو ما يذكّر بما فعله أوباما معها، حين هزمها في انتخابات الحزب الديمقراطي الداخلية في 2008، واضطرها للخروج من المنافسة، ثم استدعاها سراً ليعرض عليها وزارة الخارجية، وأخذ يمتدحها قائلاً: «أعتقد أنك الشخص الأنسب والوحيد الذي يمكن أن يؤدي هذا الدور في هذه اللحظة التاريخية»، ولم تخرج من الغرفة بعد ساعة ونصف الساعة، إلا وقد أسلست له القياد. أما عدوها ترامب فقد لا يعرض عليها منصباً، لكنه قال على رؤوس الأشهاد: «نحن ندين لهيلاري بما قدّمته من خدمات»، فهم يعرفون كيف يداوون الجراح، ويطوقون حالات الشقاق، وقال: «الجمهوريون والديمقراطيون والمستقلون والأحرار يجب أن يعودوا موحّدين... حتى من لم يدعموني، فإني أطلب مساعدتهم»، فهكذا تلتئم الجراح وتبنى وتتقدم الأوطان.
وبعد ساعة من انتهاء معركة الانتخابات، قال: «لنعمل معاً... إنها ليست حملة وإنما حركةٌ شارك فيها الملايين ممن يحبون بلادهم، وسنبدأ مهمة عاجلة لإعادة بناء بلدنا وتحديث الحلم الأميركي».
ثلاثتهم، أوباما وكلينتون وترامب، كلٌّ منهم من أسرة مهاجرة، فأوباما جاء أبوه من كينيا، وكلينتون والداها إنجليزيان، أما جد ترامب فجاء من ألمانيا وأمه من اسكتلندا. وكلهم يعبّرون عن جانبٍ من قصة ذلك «الحلم»، ويستثمرونه في خطاباتهم ويدغدغون به مشاعر الجمهور.
من المواقف المهمة التي أطلقها ترامب تمهيداً لافتتاح عهده: «سنضع مثال أميركا قبل كل شيء، ولكن سنتعامل مع كل الدول بعدل، ونبحث عن الصداقة وليس العداوة، وتحقيق السلام وليس خلق الأزمات»، وهو ما تريده الشعوب الأخرى من الأميركي. وهي إشارةٌ مهمةٌ من شخصٍ له رؤية وإصرار، سعى خلال ثلاثين عاماً لتحقيق حلمه بالوصول للرئاسة، وليس رجلاً أهبل من دون عقل.
سواء أحببنا أم كرهنا، سيحكم هذا الرجل العالم، وستؤثر سياساته على دولنا وشعوبنا، وسيتلاعب بمستقبلنا، كما تلاعب به من وصفهم بـ «السياسيين الأغبياء» و«الفاسدين»، أوباما وعائلة كينيدي وآل غور وكلينتون وآل بوش من قبل.
الوسط البحرينية..
أضيف بتاريخ :2016/11/11