أميركا ترامب من حال الانقسام إلى احتمال الانفصال؟
د. عصام نعمان ..
وحدهم أنصار دونالد ترامب احتفلوا بفوزه. الآخرون، ولا سيما الشبان والشابات والناس المهمَلون والمهمّشين، احتشدوا وتظاهروا في شوارع المدن الكبرى، من ولاية نيويورك شرقاً إلى ولاية كاليفورنيا غرباً، وندّدوا بانتخابه وتوعّدوه بما هو أشمل وأعظم. ظاهر الحال يشي بأنّ ثورة شعبية على وشك الانفجار. لكن واقع الأمر لا يشير إلى أنّ كبرى دول العالم تتجه هذه الوجهة.
ما حدث ويحدث في أميركا هو فورة وليس ثورة. فورة غضب عارمة وسخط عمومي ينبع من متاعب وهواجس شرائح كثيرة في مجتمع متعدّد على مدى الولايات الخمسين. الفورة لن تتحوّل إلى ثورة، أقلّه في المستقبل المنظور، لسبب رئيس: الانقسام العريض والعميق الذي يلفّ البلاد والعباد. هيلاري كلينتون أشارت إلى هذه الحقيقة في خطبتها الأولى بعد خسارتها. قالت إنها لم تكن تدرك أنّ الولايات المتحدة منقسمة على نفسها إلى هذا الحدّ المقلق. غريمها دونالد ترامب سبقها إلى إدراك هذه الظاهرة، وانطلق في حملته الانتخابية مخاطباً الشرائح المهملة والغاضبة وضارباً على أوتار سخطها وخيباتها المريرة.
إذا كان ما تكابده أميركا حالياً فورة غضب فذلك لا يعني أنها لن تتطوّر إلى ما هو أعمق وأخطر. الانقسام في أوساط الناس ومناطق البلاد سابق لانتخابات الرئاسة، وهو يتمحور حول قضايا وتحديات اقتصادية واجتماعية متعدّدة أبرزها: يقظة العنصرية البيضاء ضدّ الملوّنين عموماً اتساع رقعة المهمَلين والمهمّشين نتيجةَ انتقال شركات الصناعة الثقيلة إلى خارج البلاد بحثاً عن العمالة الرخيصة تدفق المهاجرين من أميركا الجنوبية اللاتينية وما يشكّله ذلك من خطر على شريحة الأميركيين البيض والمسيحيين الانجيليين من أصول أوروبية الذين يتحكمون بمفاصل السلطة والاقتصاد والإعلام ظاهرة الإسلاموفوبيا» التخويف بالإسلام والمسلمين وتنمية الحقد عليهما .
هذه العوامل الفاعلة تغذّي نوازع انفصالية متأجّجة لدى المسؤولين والمواطنين في ولايات عدّة كبرى. لعلّ كاليفورنيا أبرز الولايات المرشحة للانفصال عن الاتحاد الأميركي، وقد أعدّت استفتاء لتقرير ذلك في العام 2019. ذلك أنّ لديها مزايا عدة تشجعها على سلوك هذا السبيل: تعداد سكانها الذي يربو على 39 مليوناً اقتصادها الذي يفوق اقتصاد فرنسا حجماً ويقلّ قليلاً عن حجم اقتصاد بريطانيا موقعها الجغرافي الممتدّ على ساحل المحيط الهادئ الذي يصلها بمختلف دول جنوب شرق آسيا واليابان والصين.
حال الانقسام والغضب التي تلفّ مختلف الولايات الأميركية لن تؤدّي، رغم اتساعها، إلى تفكيك الاتحاد الأميركي. فما يجمع بين هذه الولايات من وشائج ومصالح ومنافع أكثر بكثير مما يفرّق بينها. لقد حاولت ولايات الجنوب في القرن التاسع عشر الانفصال فتسبّبت بحرب أهلية قبل أن تتمكن ولايات الشمال المتضامنة من إلحاق الهزيمة بها. غير أنّ حال الانقسام والغضب تُرهص بتحوّلات بنيوية عميقة تتناول مختلف جوانب النظام الأميركي، ولا سيما منظومته السياسية المتحكّمة Establishment التي تكرهها شرائح الشباب المهمَلين والمهمّشين. فما تأثير ذلك على رئاسة ترامب وعلاقات أميركا بدول العالم؟
الرئيس الأميركي الجديد لاحظ مدى اتساع قاعدة الساخطين على المنظومة السياسية المتحكمة وحجم المشاكل والتحديات التي تواجه رئاسته، فأوحى باعتزامه تقليص التدابير الجذرية التي كان أعلن عنها في حملته الانتخابية، كمنع المسلمين من دخول البلاد، وخفّف من وتيرة اتهاماته لإدارة أوباما وحزبه الديمقراطي، وأجرى اتصالات مع بعض رؤساء الدول والحكومات التي كان انتقدها ودعاهم إلى مقابلته حتى قبل أن يتسلّم سلطاته. فهو يدرك أن لا سبيل إلى تحقيق قدْر من التغيير، حتى المحدود، إذا ما بقيت حال الانقسام والغضب سائدة. كما يدرك انّ انشغاله العميق والمتواصل بقضايا الداخل سيحول دون تحقيق اختراق منتج في علاقات بلاده مع الخارج.
لعلّ أهمّ ما يهتمّ به العرب والمسلمون في عهد ترامب معرفة مضامين سياساته المرتقبة حيال قضاياهم الرئيسة:
ـ في مواجهة الإرهاب، يبدو ترامب أكثر جدّية من أوباما وأقلّ استعداداً للتهاون أو التواطؤ مع التنظيمات الإرهابية. فقد أبدى قابلية للتعاون مع الرئيس بشار الأسد في مواجهة «داعش» داخل سورية لدرجة حملت مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان على إطلاق إشارة ترحيب بذلك.
ـ في قضية فلسطين، وصف ترامب الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» بـِ «حرب بلا نهاية»، معلناً عزمه على «إبرام الصفقة المستحيلة لمصلحة البشرية جمعاء… إنها الصفقة الأعظم». لكنه لم يُفصح عن مضمون الصفقة.
ـ في علاقات أميركا مع دول الخليج، يدعو ترامب إلى أن تتحمّل الدول الخليجية كلفة الحماية الدفاعية التي تتولاها عنها الولايات المتحدة.
ـ في قضية اللاجئين، عارض ترامب إقامة منطقة آمنة في شمال سورية لاستيعابهم، ودعا دول الخليج إلى تحمّل الأعباء المالية اللازمة لغوثهم.
ـ في قضية الاتفاق النووي، دعا ترامب بادئ الأمر إلى «تمزيقه»، ثم توقف عن ذلك معلناً تجاوبه مع أية تعديلات يقرّها الكونغرس الأميركي في هذا المجال.
كلّ هذه المواقف أعلنها ترامب من موقعه كمرشح للرئاسة. وهي مجرد توجّهات قد يأخذ ببعضها وقد يتجاهل بعضها الآخر بعد اضطلاعه بسلطاته كرئيس. الأمر يتوقف على عاملين مؤثرين: الأول، مشارب القياديين الذين سيعيّنهم وزراء للخارجية والدفاع والخزانة، والمستشارين الذين سيتلقى منهم النصائح والأفكار والاقتراحات في المجالات السياسية والاقتصادية. الثاني، ردود فعل الدول الكبرى والدول العربية المعنية بمفاعيل سياساته، وموازين القوى السائدة في عالم ما بعد باراك أوباما.
ثمة علامات استفهام كبيرة ومقلقة…!
جريدة البناء
أضيف بتاريخ :2016/11/14