دعونا نفكر في الأسباب
محمد الوعيل ..
في تقرير لهيئة مكافحة الفساد "نزاهة"، بشأن انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع الحكومي الخدمي، جاء ضعف الوازع الديني والأخلاقي في مقدمة الأسباب، تلاه على التوالي ضعف أداء الجهات الرقابية والقضائية، ثم التساهل في تطبيق العقوبات النظامية، ووجود أنظمة إدارية ومالية معقدة وقديمة، إضافة لغياب الشفافية وانخفاض الأجور للموظفين في القطاع الحكومي، والأساليب الفاسدة لتسريع الحصول على الخدمات (أي الرشوة) وصعوبة إجراءات الإبلاغ عن الفساد، وأخيراً القبول الاجتماعي لبعض مظاهر الفساد.
كل هذه العناصر موجودة بشكل أو بآخر وفي أي مجتمع، ولكن أن تأتي عبارة "ضعف الوازع الديني والأخلاقي" التي اعتدنا استخدامها كشماعة نعلق عليها كل الأخطاء والخطايا، في مقدمة أسباب الفساد المالي والإداري وبنسبة 83%، فهذا يعني أن لدينا مشكلة، لا يجب تغافلها أو التجاوز عنها، خاصة وأننا -ولله الحمد- لدينا عدد من المشايخ ونحن الذين نتفاخر دائماً بأننا مجتمع متدين بطبعه، وأننا "أكثر بلد فيها دعاة ومشايخ ووعظ ومحاضرات ودروس ومناهج تعليم دينية ومساجد".. ومثلما تساءل -بكل حق- الداعية السابق بوزارة الشؤون الإسلامية، الشيخ سليمان الطريفي على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي تويتر: "أين ذهبت ثمرة كل هذا؟.. أكيد هناك خطأ ما". فالمفروض أن لا يمر هذا مرور الكرام.
أعلم أن مثل هذا التساؤل المشروع في لحظة مراجعة مع الذات، قد يفجر غضباً من قبل بعض المتعصبين، ولكن إذا كانت هذه هي الثمرة، كما جاءت في تقرير صادر عن أعلى هيئة مكلفة بمكافحة الفساد في وطننا، فعلينا إذاً أن نأخذ نفساً عميقاً ونبحث بجدية وبشكل يعتمد المصارحة لا المواربة، لنفهم على الأقل، ولنعرف سبب هذا التناقض.
لا ينكر أحد أن لدينا كثير من المشاريع التنموية المتعثرة، ويوجد لدينا إخفاقات كثيرة، رغم ما ترصده الدولة من ميزانيات قياسية لبناء الأسس والمحاور التنموية، ولا ننكر أيضاً أن لدينا فساداً كبيراً يضرب في جنبات العديد من الهيئات والمؤسسات، وهذا طبيعي في كل دول العالم الثالث، ومع ذلك فلا أحد يستطيع مواجهة مثل هذا السؤال المحظور: كيف يحدث هذا في بلد يعتمد الشريعة نبراساً وقانوناً؟ وأين الخلل بالتحديد؟ وكيف يحدث ولدينا هؤلاء الرجال الأفاضل من الدعاة والوعاظ؟.. حقيقة لا أعرف إجابة محددة، حتى لو كانت صادمة فعلى استعداد لتقبلها وتحملها، مثلما على كل دعاتنا ووعاظنا أن يشرحوا لنا كيف يكون ضعف الوازع الديني والأخلاقي السبب الرئيس في الفساد؟
لا يعني تساؤلي أن جميع موظفينا لا يرقون لمستوى المسؤولية، إذا فالخلل موجود وواضح ويحتاج مراجعة مخلصة، لا تجعل من هذا الضعف الديني والأخلاقي شماعة مطلقة لكل الأخطاء.
وخزة
كنت أحد رواد الفنادق التي حول الحرم المكي واكتشفت أنها تخلو من الطابع السعودي وكذلك الطابع المكي المعروف ولعلي هنا أستشهد بما كانت تفعله تلك الوجوه السعودية في فنادق عسير عندما كان الأمير خالد الفيصل مسؤولاً عن هذه المنطقة.
ربما تكون الفكرة تحتاج شرحاً أكثر ولكن الهدف واضح.
جريدة الرياض
أضيف بتاريخ :2016/11/19