أوبك.. الواقع والمستقبل
محمد العوفي ..
يبدو أن قدر الدول المصدرة للنفط المنضوية تحت لواء «أوبك» لن يكون أحسن حالا في الأشهر القليلة المقبلة، فالأخبار الآتية من أوبك نفسها، وخلافاتها حول حصص تخفيض الإنتاج المتفق عليه في سبتمبر الماضي، والتحليلات المتولدة عن وعود وخطابات الرئيس الأمريكي القادم توحي بأن أوبك ستعاني طويلا جراء تخليها عن دور المنتج المرن الذي كانت تمارسه في الثمانينات عندما كانت تسيطر على نحو 60% من الصادرات النفطية والتوجه نحو سياسة المحافظة على الحصة السوقية بدلا عنه، واعتبارها جبهة يجب الدفاع عنها، وعدم المساس بها.
معنويا، أوبك بدت منهزمة نفسيا، فهي غير قادرة على تحقيق توافق داخلها حول حصص تخفيض الإنتاج المتفق عليها، وميل بعض الدول لتوظيف المشاكل الجيوسياسية والصراعات الإقليمية سيعوق كثيرا من خططها ويفشل الاجتماعات الثنائية لحل الخلافات بين المنتجين، النقطة الأخرى أن حصة أوبك من الصادرات النفطية حاليا لا تصل إلى 30%، وبذلك لا تستطيع هذه الحصة أن تغير موازين السوق النفطية بدون تعاون الدول المصدرة من خارج أوبك (مثل روسيا) التي تؤيد تجميد الإنتاج وليس تخفيضه، لذلك بدون هذا التعاون لن يكون لتخفيض أوبك إنتاجها قيمة كبيرة. النقطة الثالثة، استمرار الركود العالمي وضعف الطلب على النفط مع وجود فائض في السوق يتجاوز 2.5 مليون برميل، مما يعني أن السوق ستحتاج إلى وقت طويل لامتصاص هذا الفائض، مما سيقلل من جدوى تخفيض إنتاج أوبك.
حتى هذه اللحظة لا ضوء يلمح في نهاية نفق حراك أوبك الجاري، وعليه فإن المفاوضات الجارية قد لا تفضي إلى ما تتمناه أوبك ومصدرو النفط المستقلون، ويبقى الحال كما هو عليه، وفي أكثر الحالات تفاؤلا سيتم تجميد الإنتاج وليس تخفيضه، وبالتالي لن يكون هناك توازن في العرض والطلب حتى في العام المقبل، وهو العام الذي سيتولى فيه دونالد ترامب الرئاسة الأمريكية، وهو المبشر بسياسة نفطية جديدة قد لا تكون في صالح بعض دول أوبك، لأنها ستأتي على حساب حصتها التصديرية، مما يعني تراجع حصة أوبك التصديرية، وبالتالي تراجع تأثيرها في السوق النفطية.
من جملة ما وعد به ترامب خلال حملته الانتخابية إتمام خط أنابيب كيستون لنقل 800 ألف برميل من النفط يوميا من ألبرتا في كندا إلى مركز كوشينج في ولاية أوكلاهوما الأمريكية، ومنها إلى هيوستن وخليج المكسيك الذي تشير التسريبات من داخل دائرته إلى أنه سيكون من أول قرارات أول مئة يوم في سدة الحكم، وتشجيع إنتاج النفط والغاز المحليين، وإلغاء بعض القوانين المرتبطة بصناعة النفط والطلب عليه، ومنها احتمال إلغاء وزارة الطاقة ووكالة حماية البيئة، مما يسهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة في زيادة الإنتاج الأمريكي المحلي. هذه الوعود إن وفت بها إدارة ترامب من شأنها أن تغير المعادلة النفطية، وستقفز بالإنتاج الأمريكي إلى مستويات جديدة، مما سيقلب موازين السوق النفطية، وستقلل اعتماد أمريكا على النفط الآتي من دول أوبك.
من الواضح أن أوبك تعيش أصعب حالتها، وأن سياسة المحافظة على الحصة السوقية لم تكن خيارا جيدا كما كانت تتوقع، وأن قادم الأيام سيجبرها طوعا أو كراهية على القبول بما كانت ترفضه قبل عامين، لكن الخيارات المتاحة أمامها حاليا أكثر تعقيدا مما كانت عليه قبل عامين، من حيث التوافق بين أعضائها، وحجم التخفيض المطلوب، وحتى إن نجحت في تحقيق تخفيض في إنتاجها في نهاية نوفمبر الجاري، فإنه لن يكون مؤثرا كما كانت تحلم به، علاوة على أن المنظمة ستحبس أنفاسها بانتظار ظهور ملامح سياسة ترامب النفطية، ولن يكون سعر النفط بأحسن حالا من سالف الأيام.
صحيفة مكة
أضيف بتاريخ :2016/11/19