آراء ومقالات

معلومات الكاتب :

الاسم :
مرام مكاوي
عن الكاتب :
حصلت على الدكتوراه في علوم الحاسبات من جامعة نوتنجهام في بريطانيا في تخصص هندسة الويب وتطبيقاته في مجال التعليم الإلكتروني المتكيف عبر الإنترنت. حصلت على الماجستير في علوم الحاسبات وتخصص الأنظمة الموزعة والشبكات من جامعة هيرتفوردشاير، وتخرجت من قسم علوم الحاسبات بكلية العلوم بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة في المملكة العربية السعودية. مستشارة غير متفرغة في مجال التعليم الإلكتروني وتقنيات التعليم مع شركة غلفس التعليمية (Gilfus Education Group) ومقرها واشنطن العاصمة الأمريكية. عملت سابقاً كمحللة نظم في قسم تقنية المعلومات بشركة شل النفطية في المملكة المتحدة ومقرها لندن. كاتبة في عدد من الصحف والمجلات السعودية والعربية.

اليوم التالي لسقوط الولاية

 

مرام مكاوي ..

المرأة ليست ضعيفة العقل وقليلة الإدراك، وتستطيع اتخاذ قراراتها بنفسها، لأن الله العادل قد كلفها بما كلف به الرجل، وحاسبها كما يحاسب الرجل، لا سيما في الحدود

 

أتابع على "تويتر" الوسم الخاص بإسقاط الولاية، ومع أنني كنت من المشككات فيه ابتداء، وبالرغم من عدم مشاركتي فيه لقناعات خاصة، إلا أنه أثار اهتمامي لعدة أسباب. فلأول مرة تكون هناك حملة شعبية نسائية لا تقودها شخصية بعينها قد تكون تسعى للشهرة والاستعراض وصناعة المجد الشخصي، متخذة من حقوق المرأة السعودية ذريعة. فالتغريدات صادرة عن نساء عاديات ومن مختلف الطبقات، بينهن المنقبة والمحجبة والسافرة. وهذه الحملة السلمية التوعوية صامدة لما يزيد على ثلاثة أشهر، رغم تهم التخوين والتشكيك والشتائم والقذف في الدين والعرض للمشاركات فيها. وهذه المطالبات لا ترتكز على العاطفة، بل تحاول إثبات أحقية المطالبات بذكر قصص واقعية موثقة بالأدلة ومنشورة على صفحات صحفنا المحلية، توضح كيف أن بعض القوانين والتنظيمات الإدارية تتسبب في تعقيد حياة المرأة وتكبيلها إن كان الولي ظالما.

 

الكاتبات السعوديات منذ أن سمح لأقلامهن بأن ترى النور على صدر صحافتنا وإعلامنا كن يكتبن مطالبهن بخجل ابتداء، ثم أصبحن أكثر صراحة، لكن التركيز كان على الجزئيات، على الفروع وليس الأصول، كالمطالبة بحق العمل والتعليم والزواج (أو عدمه للقاصرات أو المجبرات)، وقيادة المرأة للسيارة والرياضة والسفر. وأكثرهن شجاعة طالبت بمعاملة المرأة كفرد مستقل، وكمواطن على قدم المساواة مع شقيقها الرجل. لم تكن من بينهن -فيما أعلم- من طالبت صراحة بإسقاط الولاية. فالولاية خط أحمر ولا يجب أن تمس، ومجرد التفكير في الاقتراب من الحمى كفيل بأن يصيب أصحاب الصوت العالي باللعنات والتهم المعلبة هذه الكاتبة، وقد يمارس "الاحتساب" ضدها فتمنع من الكتابة. أما النساء في هذه الحملة فقد بدأن من حيث انتهين وليس من حيث توقفن. فذهبن إلى أصل المشكلة وبيت الداء، وهي هذه السلطة المطلقة أو شبه المطلقة لأولياء الأمور على النساء. فمن كان وليها رجلا محترما واعيا واثقا من نفسه ويخاف ربه فستعيش في الغالب عيشة طيبة تحقق فيها أحلامها. وإن كان سوى ذلك فستجد نفسها في ضنك مع من يحصي عليها أنفاسها، ويتحكم فيما تأكل وما تشرب وما تلبس وما حتى تفكر به. لذلك كانت مطالبتهن واضحة: إسقاط الولاية عن المرأة عند بلوغها سن الرشد مثلها مثل شقيقها، فثارت ثائرة البعض ممن كانوا بالأصل يعارضون أي مطالبات فردية تحاول تحصيل بعض الحقوق للمرأة. وهنا يبرز السؤال: لماذا يخشون إسقاط الولاية؟

 

حاولت أن أتبين إجابة عشوائية عبر استفتاء بسيط في تويتر فكانت أغلب الإجابات تتركز حول الخوف من أن يستخدم للتغرير بالفتيات، والحقيقة أن مجتمعنا غريب، فهو يعتقد أن المرأة جاهزة وناضجة بما يكفي لتتزوج وهي دون العشرين، بل هي في سن الطفولة أو بدايات المراهقة، وأنها واعية كفاية لاتخاذ هذا القرار المصيري، في حين لو افترضنا أن سن الرشد هو 21 عاما، وهو السن الذي يُسمح فيه في كثير من الدول للشباب بالتصويت وتقرير مصير الدول، فهي ستكون معرضة للتغرير! وقد يكون هذا الأمر منطبقا على بعض النساء، لكن هل هو ذريعة لمعاقبة البقية؟

 

لقد تعرض عدد لا يستهان به من شبابنا للتغرير من قبل المنظمات الإرهابية العالمية منذ أكثر من عشرين سنة، وزج بهم في حروب ليست حروبهم، ومع ذلك لم نسمع بأحد طالب، كوسيلة لمحاربة الإرهاب والحفاظ على شبابنا، برفع سن الرشد للشباب حتى الثلاثين! لأنه لو حصل ذلك لما استطاع الشباب الدراسة ولا العمل ولا حتى الزواج، وسيؤدي ذلك إلى تكبيل المجتمع.

 

البعض يتخيل أنه بمجرد إسقاط الولاية التي هي غير القوامة التي جعلها الله حقا للرجل على زوجته فقط، والتي هي غير المحرم الذي اشترطته الشريعة للسفر والحج، والتي ذكرت في القرآن في سياق المحافظة على القاصر واليتيم والسفيه عقلا، وفي السنة في سياق زواج البكر، مع أن الأحناف لهم قول في وجوب اشتراط الولي، ولهم أدلتهم المعتبرة، فإنه لن تبقى امرأة في بيت أبيها ولا زوجة على ذمة زوجها. عندما فكرت بشكل شخصي، كيف ستتغير حياتي فيما لو تم تغيير القوانين والتنظيمات الإدارية وإسقاط هذه الولاية الأبدية على المرأة السعودية، فوجدت أنه لن يتغير شيء مطلقا! قد يكون التغيير الوحيد هو قيادة السيارة فيما لو سُمح بذلك.

 

أما الذكر المتسلط، الذي يعلم بأنه يحرم النساء اللاتي هن تحت ولايته من حقوقهن، ويسيء استخدام هذه السلطات، فمن الطبيعي أن يشعر بالقلق والخوف، مثله مثل الحاكم الديكتاتور الذي يخشى الديمقراطية لأنه لا يثق بشعبه. فسلطاته ستتقلص أو تختفي، وهو الذي لا تتحقق رجولته المتوهمة إلا بالترهيب والتسلط.

 

بصراحة الكثير من النساء المتضررات لن يسعين إلى تخريب بيوتهن بأنفسهن بمجرد إسقاط الولاية كتنظيم إداري في المملكة، فالمرأة لا تفكر في نفسها فقط، بل تحمل هم والديها وأطفالها وأسرتها ككل. ما زلت أذكر زميلة من أصول شرقية أيام دراستي في بريطانيا، كانت تعاني من تسلط إخوتها، مع أنها كانت طالبة دكتوراه، وهم من الطبقة العاملة، ولم يكونوا يسهمون في مصروفات المنزل، وكانوا يمنعونها حتى من الحجاب فقط من باب فرض السيطرة. فكنت أسألها: لماذا تتحملينهم؟ لماذا لا تستقلين عنهم؟ لماذا لا تشتكينهم للشرطة عندما يمارسون العنف؟ أنتِ بريطانية الولادة والنشأة، ألم تتعلمي في هذا البلد كيف تدافعي عن حقوقك؟! وكان يأتيني جوابها: من أجل ذكرى أبي.. وحتى لا أرى دموع أمي! إنهم أولادها، وهي تحبهم وللأسف أفسدتهم، ولكن فات الأوان للتغيير. ومع أنني قد لا أتفق مع تصرفها، إلا أنني أدركت وقتها أن وجود القوانين الداعمة للمرأة لا يعني أن المرأة ستستخدمها بالفعل، فلكل حساباتها وظروفها، وهي "اختارت" أن تصبر.

 

الله وضعنا على هذه الأرض، وأرسل لنا الرسل لبيان الحق، ومنحنا العقل لنقرر ونختار في أي طريق نسير، ولو كانت المرأة ضعيفة العقل وقليلة الإدراك ولا تستطيع اتخاذ قراراتها بنفسها، لما كان الله العادل قد كلفها بما كلف به الرجل، وحاسبها كما يحاسب الرجل، لا سيما في الحدود. فمنح المرأة حقوقها ومعاملتها كإنسان كامل الأهلية لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية، بل يأتي متوافقا معها ومتسقا مع مقاصدها العليا.

 

صحيفة الوطن اون لاين

أضيف بتاريخ :2016/11/22

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد