حقوق الإنسان لا تقبل التلاعب أو التأجيل
قاسم حسين ..
يعيد الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان يوم العاشر من ديسمبر، التذكير بالأساسيات المنسية التي مازلنا نتجادل حول تطبيقها في العالم العربي.
هذه الحقوق أصبحت من أساسيات حياة الشعوب الأخرى، فلا يتناقشون في تطبيقها أو تأخيرها أو الالتفاف عليها، فهي ليست منحةً من الحكومات لتتفاخر بها، وإنّما هي حقوق عالمية أساسية، واجبة التطبيق.
هذه الحقوق نتفنّن في التملص منها، ويحاول بعض المنتفعين من غياب الحريات تفنيدها كلما أصبحت الشعوب أمام أحد استحقاقاتها، بحجة الخصوصية حيناً، وعدم مناسبة الأوضاع حيناً آخر. بينما هي اليوم أساسٌ تقوم عليه حياة المجتمعات المتماسكة التي لا تحتقر الإنسان للغته أو جنسه أو دينه أو لونه أو مواقفه السياسية. فلا يمكن أن تقوم مجتمعات في هذا العصر وهي متخلخلة ومفكّكة من الداخل، حيث تتطاحن مكوناتها في صراعات لا تنتهي، من أجل فرض بعضها إرادتها وأفكارها على البعض الآخر.
لابد من الاعتراف بوجود كافة المكوّنات، في ظل احترام كامل لجميع حقوقها، دون تمييز أو اضطهاد أو استئثار بالقرار والمال والامتيازات. وهذا هو الدرس الأكبر الذي يقدّمه لنا الوضع الدامي في العراق وسوريا واليمن وليبيا... وكافة الدول التي هبّت عليها رياح التغيير والمطالبة بالحريات والكرامة والخبز، دون إذلال أو استغلال.
إن هذه الحقوق حقوق إنسانية شاملة، لا تقبل المساومة ولا التأجيل، وكل تأخيرٍ إنّما سيتسبب في خلق مآسٍ قادمة سيحفل بها المستقبل غير البعيد، وسيدفع ثمنها أطفال اليوم، الذي سيطالبون بعد عشرة أعوام، بمزيدٍ من الحريات التي عجز آباؤهم عن تحقيق ولو الحد الأدني من احترام حقوق البشر بعد انتكاسات الربيع العربي المخزية.
الأمم المتحدة تؤكّد تزايد النزاعات في عصرنا الراهن، والتي يزدهر معها «خطاب الكراهية»، وتتبناه مؤسسات رسمية وشبه رسمية، مسكوت عنها في الكثير من الدول، فمن يزرع الريح لن يجني إلا العاصفة. كما تدعو للدفاع عن فئات المجتمع المدني التي تواجه ما أسمته «تدابير صارمة متزايدة» بهدف منعها من أداء دورها الحيوي. ومقابل هذا المسار الخاطئ في التاريخ، يمكن أن نبني مستقبلاً يقوم على القيم المشتركة، كالمساواة والكرامة الإنسانية، التي لا ينبغي أن يجادل فيها أحد أو يتلكأ في تطبيقها أو الالتفاف عليها.
في أدبيات الأمم المتحدة، فإن التمسك بحقوق الإنسان في مصلحة الجميع. وعلى خلاف ما يعتقده بعض قصار النظر من المنتفعين من ديمومة النزاعات الأهلية، فإن احترام حقوق الإنسان يساهم في تحسين رفاه الفرد، وتحقيق الاستقرار لكل المجتمع. وبمقدور كل شخصٍ المساهمة من موقعه، في إحداث تغيير إيجابي في مجال حقوق الإنسان، كما تقول هذه الأدبيات، سواءً في أحيائنا السكنية، أو المدرسة، أو مكان العمل، أو وسائط التواصل الاجتماعي، أو حتى في بيوتنا، حين نحترم حقوق العاملات الأجنبيات اللاتي اضطرتهم ظروف الحياة والفقر إلى الهجرة للعمل في بلدان تقع على بعد آلاف الكيلومترات، من أجل كسب قوتهن وضمان تعليم أطفالهن، وتدبير شئون أسرهن المنهكة.
إنها تذكّرنا بأن الاعتراف بـ»الحقوق المتساوية الثابتة لجميع أعضاء الأسرة البشرية هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم».
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/12/11