قمة الخليج... تحديات متنامية
شفيق الغبرا ..
تأتي القمم الخليجية وتذهب، بينما تسعى دول مجلس التعاون لإدامة الاستقرار على الأقل لريثما تمر العاصفة العاتية التي تعصف في طول الإقليم وعرضه. الخطوات الخليجية تجاه الأمن تنعكس مزيدا من التنسيق الأمني والتسلح، وستعتمد على التنسيق مع الغرب الذي فقد الاهتمام في خوض حروب جديدة. الظاهر على السطح حديثا أن مجتمع المواطنين بما فيه التواصل الاجتماعي بدأ يفقد الاهتمام بالقمم، وبدأ يشعر بأنها فقدت الكثير من زخمها.
ففي كل حوار مع أفراد من مشارب مختلفة، تبرز بينهم حالة تخوف من أن المزيد من التسلح سيترجم لتراجعات مالية، فمرتبات الأمن ستخلخل مرتبات البيروقراطية والعمل، وهذا سيفاقم من التناقضات الاجتماعية والسياسية المحلية. إن المواجهة مع إيران تستنزف القوة المالية والعسكرية في الخليج، بينما يستمر الاستنزاف بكل مسبباته المختلفة في سورية وليبيا والعراق واليمن ومصر والسودان.
ويجب عدم الافتراض بأن دول الخليج، بوضعها الراهن، لا تملك أوراقا مهمة للضغط إقليميا وعالميا، فهي تملك قدرات مالية ضخمة وصناديق سيادية قائمة، ومدنا نامية عملاقة، ولديها طلبة يجوبون العالم الغربي علما ودراسة، وهي بنفس الوقت تجلس على الاحتياط الأهم للنفط في العالم. إن المصالح المختلفة تعطي الخليج مكانة التأثير. لكن بنفس الوقت إن التأثير والأهمية التي ميزت الخليج في العقود السابقة في حالة تراجع، كما أن أسعار النفط في تراجع والعالم الغربي ينظر للمنطقة العربية بعيون إسرائيلية وبعيون الصهيونية والإرهاب والتطرف وداعش وأخواتها. هذا التراجع ينعكس على القوة والتأثير وسيستمر بفضل عوامل دولية وعربية وخليجية، كما وبفضل صعود إيران وتركيا وتراجع مصر وسورية والعراق.
وعند قياس حالة المساءلة والحريات وانفتاح الإعلام والفساد وغيرها، نجد أن غياب مفهوم المشاركة ومكانة المواطن ورقابته، تؤثر على ضعف الدولة العربية بشكل عام، وبالتالي على دول الخليج. هذه مسائل تؤثر في المقدرة على تنفيذ القرارات الرسمية وقرارات القمم، وهي التي تفسر ضعف اهتمام المواطن بالقمم، فغياب دولة المواطن يفتح المجال لضعف التطبيق. هذا واضح مثلا في قرار الوحدة الخليجية، فإن كان المقصود بناء حالة تشبه الأوروبي، فهناك فارق وخاصة أن الأوروبي صنع برلمانا للشعب، وأسس لحقوق يصعب الالتفاف عليها! وإن كان المقصود حالة تشبه ما هو قائم اليوم من تنسيق أمني وعسكري، لكنها لا تشمل الحريات والحقوق الأساسية، فهذا سيؤدي لإبقاء التداخل بين دول الخليج مشوبا بالحذر.
والمواطن محق عندما يتحدث عن وجود صعوبة كبيرة في بناء العمل التعاوني الحقيقي بين دول منطقة الخليج. إن غياب البعد الديمقراطي في العلاقات بين الدول كما وضمن الدول والمجتمعات هو جوهر المشكلة المانعة لقيام الوحدة الخليجية، وهي في الجوهر الجانب الذي يجعل دول الخليج مترددة بل وممانعة.
التركيز على إيران فرضه الواقع، وفرضته حرب سورية بالتحديد، لكن لنفترض سلفا أننا حجمنا إيران، فهل هذا سيحل المشكلة التي فتحت المجال لإيران لملء الفراغ؟ ألم تؤد الفردية في ممارسة السياسة والإدارة والتعليم والتخطيط إلى الأزمات الراهنة؟ ألم نخطئ في التعامل مع كل أقلية وغالبية في الإقليم، وذلك بسبب فرضيات عن الطوائف والفئات التي يتشكل منها المجتمع العربي؟ جزء من الفراغ الذي استغلته إيران، مرتبط بعدم قدرة الدول والمجتمعات العربية على التقدم نحو نماذج سياسية أكثر مساءلة ومأسسة وإنسانية. ولو افترضنا أن الشعوب غير مهيأة للحرية والحقوق والمشاركة، فهل من خطة خمسية أو عشرية لخلق حالة جديدة في وضع الشعوب لتكون السند الحقيقي لمشروع الدولة، ومشروع المستقبل. لا بديل عن الاستماع لنبض الشعوب.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/12/17