الأخطر من «داعش» الثقافة التي أنتجتها
قاسم حسين ..
حادثان فظيعان وقعا الأسبوع الماضي، وكلاهما يرتبطان بـ«داعش»، الاسم «الحركي» الذي منحه الإعلام المهيمن منذ اليوم الأول لولادة هذا الوحش المنغولي، فيما لاتزال قنوات فضائية عالمية تصرّ على تسميته بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام».
الحدث الأول نشر «داعش» تسجيلاً مصوراً لقيادي بإحدى الجماعات الإرهابية، بتجهيز طفلتيه للقتل، عبر تفخيخهما بالمواد الناسفة، وتلقينهما بأنهما ستذهبان إلى الجنة بقتل «أعداء الله». وهي مفاهيم لا يستوعبها عقل طفلة في مثل هذا السن الطري، فضلاً عمّا يترتب عليها من نتائج. وبالتالي فإن مثل هذا الشخص يجمع خلل التفكير وانعدام الرحمة، فضلاً عن الأهلية للولاية على طفلتيه.
الأسوأ من الأب كانت الأم، التي ذهبت مع الأب في غيّه وضلاله حتى الأخير، فأعدت الطفلتين وشجّعتهما على تفجير نفسيهما، في قضيةٍ خاسرةٍ، تكتنفها الشكوك من كل جانب، عقلياً وشرعياً وسياسياً وحتى عسكرياً، مع توالي سقوط معاقل القوى التكفيرية في سورية والعراق.
إننا أمام حالة إنسانية مزرية فعلاً، حيث يمكن أن تتفهم بطريقة ما، أن يفجّر شخصٌ نفسه لقتل آخرين، لقناعته الراسخة بأنهم أعداء عقائديون، أما أن يلغّم جسد طفلته الصغيرة بالمواد الناسفة، ويرسلها للموت، فهذا ما لا يستطيع تقبله حتى الخيال. وأمام هذا المشهد التراجيدي العنيف، سيتخيّل أي مشاهد أو قارئ طفلته أمامه، ويتساءل مع نفسه: هل يمكن إلا أن يحتضن هذا الجسد الغض الصغير، ويغرقها لثماً وتقبيلاً، ويضمها إلى قلبه شماً وحباً، لا أن يرسلها في مهمة انتحارية، حيث ستتقطع أشلاءً متناثرة. أي وحشية هذه؟ وأية قلوب قُدّت من الصخر؟
في كتب السيرة النبوية، أبدى أحد هؤلاء الأجلاف استنكاره، حين شاهد النبي (ص) يقبّل أحد حفيديه، الحسن أو الحسين، لأن لديه عشرةً من الأولاد لم يقبّل أحدهم، فردّ عليه: «وما أصنع لك إن نُزعت الرحمةُ من قلبك»؟. بينما يلغّم هذا الوحش طفلته ويرسلها لتتفجّر بعد قليلٍ. وهي ثقافة قتلٍ تكرّرت فصولها، وأخذت تضرب –وياللغرابة- بيوت الله في أرضه، لتقتل المسلمين وهم يصلون لله ربّ العالمين، كما حدث في بعض مساجد الكويت والسعودية، حتى تجرأت هذه الفئة الباغية على مدينة الرسول نفسه، وانتهاك حرمة ثاني الحرمين الشريفين، واستهدفت المصلين الآمنين في حرم المسجد النبوي الشريف.
الحدث المرعب الثاني، إقدام هذه الفئة الخارجة على الدين والإنسانية، على إحراق الجنديين التركيين الأسيرين، وإصرارها على تصوير الجريمة بتفاصيلها على طريقة أفلام الرعب. ومن الصعب على الإنسان أن يكمل مشاهدة الجندي وهو يتلظّى ألماً، ويتحوّل إلى كتلةٍ من اللهب. أنت لا تتحمل رؤية هذا المشهد الفظيع، فكيف بمن قام بإشعال النار في جسد الجنديين، وشاهدهما يتلويان ألماً؛ وبمن صوّر هذا الفيلم؛ ومَن وضع الموسيقى التصويرية؛ ومَن أكمل إخراجه؛ ومَن أنزله على موقع الانترنت؟ إنها مجموعةٌ من الوحوش البشرية.
هذه الوحوش ليست مخلوقات هبطت على بلداننا من الفضاء فجأةً، ولم تأت من كوكب المريخ، وإنما هي نتيجة ثقافة الموت التي توّلت نشرها وسائل إعلام، ودعاة موتورون، ومراكز تحمل أسماء إسلامية، وفضاء انترنت سُخّر لهذه الجماعات لنشر أفكارها المدمّرة، تحت سمع وبصر الحكومات في الشرق والغرب.
إن الأخطر والأفظع من «داعش»، هي الثقافة العدوانية المريضة التي أنتجت «داعش»، وهي الثقافة التي مازال يصر على نشرها بعض المرضى السيكوباثيين، بالترويج لأفكار من قبيل جهنم «داعش» ولا جنة الحكومة الفلانية. هؤلاء الكتبة المرتشون معاقون فكرياً، وداعشيون تفكيراً، وهم سدنة الثقافة التي تحرّض على سفك دماء الأبرياء في الأرض العربية، وتفرّخ الإرهابيين، وتستقطب الأغرار من ذلك الخزان البشري ليُحقن بمشاعر الحقد والكراهية للدنيا كلها.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2016/12/27