جدة: من الضنك إلى الجرب
علي الشريمي ..
نفتقر في المملكة إلى المحاكم البيئية والقضاء البيئي الذي يبين ويوضح العلاقة التفاعلية بين حقوق الإنسان والبيئة
أعتقد أن الكثير منا ما زال يذكر قبل سنوات صورة أكبر فأر في مدينة جدة، والذي يطلق عليه "أبو كلب"، وكيف استطاع بأنيابه التي يبلغ حجم الواحد منها (2,5) سم قتل طفلين رضيعين، الحادثة حينذاك انتشرت في المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، وتحولت إلى حديث مختصين وناشطين بمدينة جدة في ظل شكوى العديد من سكان الأحياء السكنية بجدة من انتشار الفئران في حيهم السكني! قبل أيام قلائل انتشر في الصحف المحلية خبر يفيد بانتشار مرض الجرب بين طالبات ومنسوبات إحدى المدارس الابتدائية بجدة، إذ ارتفع عدد المصابين إلى 9 حالات بينهن 7 حالات مؤكدة مقابل حالتين مشتبه بهما، والتي تزامنت مع توجه وفد طبي من وزارة الصحة للمدرسة للوقوف على أسباب انتشار المستنقعات والفئران بالمدرسة، ونقص وتدني مستوى النظافة في دورات المياه لدرجة استخدام دورة مياه واحدة لنحو 60 موظفة، فيما تزايدت حالات الغياب بين الطالبات بسبب الخوف من انتقال العدوى.
وهنا أطرح مجموعة أسئلة: ما مسؤولية الجهات الحكومية المعنية والمسؤولة عن هذا الملف؟ ولماذا لم تستجب لشكاوى إدارة المدرسة التي طالبت منذ 3 أسابيع بإزالة المستنقعات والقاذورات التي تحيط بالمدرسة، بعد رصدها أول حالة اشتباه بالمرض؟ ما مسؤولية أمانة جدة، هل هي بحاجة لإطلاق مشاريع جديدة لمكافحة القوارض من الأحياء القديمة؟ أليست الأمانة وعلى لسان وكيلها أطلقت قبل سنوات أكثر من مشـروع لمكافحـة الفئران والحشـرات الضارة والغربان بتكلفـة تصل لـ110 ملايين ريال سعودي؟ ما دور قضائنا من هذه القضايا البيئية؟ ألا يعد ذلك انتهاكا لحق الإنسان في بيئة نظيفة وآمنة؟ خاصة إذا علمنا أن العديد من دول العالم أصبحت هذه الحقوق والقوانين البيئية جزءا لا يتجزأ من دساتيرها الوطنية وأنظمتها المحلية، ومخالفة هذه القوانين تعتبر مخالفة دستورية واضحة، وجميعها تكفل حق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية، ونحن في المملكة لدينا نظام للبيئة صادر بالمرسوم الملكي الكريم بتاريخ 8/ 7/ 1422، وهو نظام قادر على حماية النظم البيئية، لكنه مع الأسف الشديد لم تطبق لوائحه التنفيذية حتى يومنا هذا!
في الواقع إن فهم العلاقة الحقوقية بين الإنسان وبيئته يعني بالضرورة فهم التفاعل بين التنظيمات والقواعد القانونية بين البيئة والمجتمع البشري، ومن أهم أهداف القانون البيئي توضيح وتفسير المواد المنصوص عليها وتطبيقها بما يكفل سلامة وصحة المواطن من جميع أنواع التلوث، فمثلا في النرويج نجد أن الذي يحكم ويفصل في القضايا البيئية قاض مختص بعلم القانون البيئي، ولديه اطلاع واسع بمناهج علم القانون العام، وملم إلماما شاملا بعلوم البيئة في الكيمياء والأحياء والجيولوجيا والفيزياء وعلوم البحار، ومدرك لكل الاتفاقيات والإعلانات العالمية والإقليمية والمحلية الصادرة من المنظمات الحكومية وغير الحكومية في العالم.
إنني أعتقد أن مثل هذه القضايا البيئية مثل قضية الفئران والبعوض التي لها سنوات ستستمر لأننا نفتقر في المملكة إلى المحاكم البيئية والقضاء البيئي الذي يبين ويوضح العلاقة التفاعلية بين حقوق الإنسان والبيئة.
أخيرا أختم بذات الخبر وأترك لكم التعليق: أبدى عدد من معلمات المدرسة استياءهن من طبيبات وزارة الصحة لطلب الأخريات منهن في حالة رغبتهن في الكشف أن يجرين الكشف الكامل، مما أدى إلى انفجار موجة غضب المعلمات، إذ اعتبرن ذلك مجرد خطة حتى يرفضن الكشف، وبالتالي لا يتم رصد حالات مصابة بين المعلمات، وبالتالي تتفاقم المشكلة.
صحيفة الوطن أون لاين
أضيف بتاريخ :2016/12/29