في وداع 2016
قاسم حسين ..
لعل أطرف وداعٍ للعام الراحل 2016، ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون وهو يصف نفسه بـ «سندريلا»، حيث ستنقلب حياته رأساً على عقب، مع حلول ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة.
الأخ كي مون سيفقد عمله الذي استمر فيه عشر سنوات، وهو يطمع في الترشح لرئاسة بلاده، ويبدو أنه شخص محظوظ جداً، حيث تتمهد الطريق أمامه بسبب شغور منصب الرئاسة في كوريا الجنوبية، بعد إيقاف الرئيسة الحالية «بارك كون هيه» عن العمل، وملاحقتها قضائياً بتهم فساد وتعيين صديقتها المقربة في منصب حكومي رفيع، استغلته في تمرير صفقات.
الخبر الأهم من مستقبل كي مون، هو اتفاق الهدنة في سورية، التي تأخّرت سنوات، وكان من شأنها حقن الكثير من الدم السوري. فقد بقي هذا القطر العربي الشقيق ينزف دماً، وشعبه يزداد معاناة وتشرداً، على أمل أن تنهي هذه الهدنة آلام الأشقاء السوريين، وتنقلهم إلى حلٍّ ينقذ بلادهم من مستنقع الخراب والدم.
في الطرف المقابل من الحدود، يتقدّم العراقيون ببطءٍ لتحرير ما بقي من أراضٍ يحتلها تنظيم «داعش» الإرهابي، الذي تكشّف عن درجةٍ عاليةٍ من الوحشية والبطش، وأوقع الكثير من القتل بالعراقيين. وفي الشهرين الأخيرين، وتزامناً مع انتكاسة التنظيم، بدأ الحديث يزداد عن انتشار عناصره في الدول الأخرى، سواءً القريبة كتركيا والأردن، وقرب عودتهم إلى البلدان التي صدّرتهم كتونس، ما أثار موجةً من الرعب.
من الجانب الإيجابي، وقبل نهاية العام، صوّت مجلس الأمن على قرار بوقف الاستيطان الإسرائيلي بالإجماع، عدا الولايات المتحدة، وهو ما أغضب الكيان الصهيوني، الذي كان يشعر حتى وقت قريب بالانتعاش لتحوّل جزء من النظام العربي للتطبيع معه، والرقص في الظلام مع بعض وفوده التي تتسلّل خفيةً للبلاد العربية. كما رحل هذا العام، أحد القادة المؤسسين للكيان الصهيوني، شمعون بيريز، الذي بدأ حياته بالإشراف على مشتريات الأسلحة في عصابة «الهاجاناه» التي لم يسمع باسمها بعض الراقصين في شوارعنا! وهو مهندس البرنامج النووي الإسرائيلي، والذي كان يتنكر للاجتماع سراً مع بعض الرؤساء العرب منذ عقود، وبطل مجزرة «قانا»، الذي مُنح «جائزة نوبل» تقديراً لـ «دوره في السلام»!
في العام الراحل، فقدنا عدداً من الشخصيات المؤثرة، من أبرزهم الكاتب محمد حسنين هيكل، الذي كان يشكّل مدرسةً قائمةً بذاتها، حيث يدمج الخبر بالرأي، والمعلومة بالتحليل، مع رؤية عميقة للمستقبل. وحين سئل في منتصف الثمانينات عن الأفق قال: «سنمر بحقبة سوداء تمتد ثلاثين عاماً»، كانت الحرب العراقية الإيرانية يومها على أشدها، وكان العالم العربي ممزقاً، ولبنان محتلاً، وأسعار النفط تهوي للتراب. واليوم العرب أكثر تمزقاً، والأسعار هابطة، والأفق أكثر سواداً مع انتشار رايات «داعش» السوداء. كان هيكل يطلّ بين فترة وأخرى ليقدّم قراءةً بانورامية، سنفتقدها كثيراً.
رحل هذا العام محمد علي كلاي، الذي كان رمزاً للبطولة في فترة صبانا، منتصف السبعينات، وكان بروزه قبل ذلك بعقدين، في ذروة سطوة العنصرية بأبناء جلدته، حيث كان يبكي قبل أن يخلد إلى النوم بسبب ما يتعرّض له السود من إذلالٍ وإهانةٍ دائمة. وقدّم نموذجاً للرياضي الملتزم بمناهضة العنصرية، ليس في الداخل الأميركي، بل حتى في حرب فيتنام حيث كانت القاذفات الإستراتيجية تمطر شعبها الفقير بالأسلحة الكيماوية؛ فرفض الالتحاق بالجيش، ودخل السجن ثمناً لموقفه. وكانت قصة إسلامه مصدر إلهام للكثيرين، في البحث عن الحق والحقيقة، ونشدان الخلاص، والبحث عن راحة الضمير واستهداف ما يوصله إلى طريق الجنة.
في العام الماضي، فقدت جبهة الحرية في العالم أحد أبرز رموزها، الزعيم الكوبي الأممي فيدل كاسترو، الذي أرسل كتائبه من أجل مناصرة الشعوب المسروقة ثرواتها في مجاهل إفريقيا، للتخلص من الاستعمار البريطاني والفرنسي، والبلجيكي والبرتغالي.
أخيراً... ومع اليوم الأخير من العام الماضي... ستغادرنا «السفير»، صوت لبنان في العالم العربي، وصوت العالم العربي في لبنان.
صحيفة الوسط البحرينية
أضيف بتاريخ :2017/01/01